تعليق على حديث: أوله رحمة، وأوسطه مغفرة

أرسل إلي أحد الإخوة، هذا التسجيل المرئي للدكتور مبروك عطية، مشفوعا بقول المرسل: ماتعليقك جزاك الله خيرا؟

فكتبتُ في جوابه:

وإياكم وبارك فيكم.

كلام غير علمي.

ما هكذا تورَد الإبل، ولا هكذا يكون التناول والتعامل العلمي مع الرواية الحديثية، حتى وإن كانت ضعيفة.

أسلوب التهريج الساخر المبتذَل هو الطاغي في كلام الدكتور.

هذا الأسلوب الرخيص اقتضاه أن يعامل الحديث الضعيف معاملة الحديث الموضوع المكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا أبعد ما يكون عن منطق العلم.

نَعم. الحديث ضعيف. والحديث الضعيف قد يكون في علم الله صحيحا.

وليس كذلك الحديث الموضوع المحكوم يقينا بكذبه.

وهذا من البدائه.

ولذلك فقد استساغ ابن خزيمة رواية هذا الحديث - المعروف بحديث سلمان - في صحيحه وأتبعه بقوله: (إن صح الخبر)

وهو - إن صح - لا يعني أن عشر الرحمة خالية من المغفرة والعتق من النار،كما أوهم أسلوب الدكتور المتحدث.

كيف وهما من مظاهر الرحمة؟!

ولا يعني أن عشر المغفرة خالية من الرحمة ومن العتق من النار.

كيف والمغفرة من ثمرات الرحمة، والعتق من النار من ثمرات المغفرة؟!

ولا يعني أن عشر العتق من النار خالية من الرحمة والمغفرة،

كيف والعِتق من النار لا ينفكّ عن الرحمة والمغفرة؟!

إن هذا فهم بائس جدا، لا يتبادر إلى فهم ذكي ولا غبي.

وإنما يعني الحديث إن صح، أن الرحمة في العشر الأوائل أكثر وأظهر منها في غيرها،

وأن المغفرة في العشر الأواسط أكثر وأظهر منها في غيرها.

وأن العِتق النار في العشر الأواخر أكثر وأظهر منه في غيرها.

والدليل على هذا الفهم أنه قد جاء في جامع الترمذي، في باب فضل رمضان. من حديث أبي هريرة يرفعه: (ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة).

ثم جاء في شعب الإيمان للبيهقي، من حديث ابن مسعود يرفعه: (فإذا كان يوم الفطر، أعتَق مثل ما أعتَق في جميع الشهر).

قال المنذري في الترغيب والترهيب، بعد أن أورد حديث ابن مسعود المتقدم: (رواه البيهقي، وهو حديث حسن لا بأس به في المتابعات).

ولأن حديث سلمان المذكور حديث ضعيف، وليس حديثا موضوعا معلوم الكذب، كما زعم الدكتور.

ولأنه في فضائل الأعمال، وليس في العقائد ولا الأحكام، فقد استساغ كثير من أهل العلم - من غير غضاضة - إيراده والاستشهاد به على فضل شهر رمضان المبارك، كما فعل ابن خزيمة، منبهين إلى ضعفه كما نبّه ابن خزيمة. إن كان ذلك التنبيه في صلب كُتبهم، أو في التحقيقات والحواشي،

تجده عند المنذري في الترغيب والترهيب.

وفي لسان الميزان للحافظ ابن حجر.

وفي جمع الجوامع للسيوطي.

وفي شُعب الإيمان للبيهقي.

وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري. للعيني.

وفي فيض القدير للمُناوي.

وفي إحياء الغزالي.

وفي الزواجر عن اقتراف الكبائر. لابن حجر الهيتمي المكي.

وفي غير ذلك مما لا يحصى من كتب التفسير والفقه والفضائل والرقائق وغيرها، مما لا يليق معه أن يقول الدكتور: (الناس ألّفوا حديث وحطّوه).

غفر الله لي وله.

والله أعلم

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين