تعلموا العربية أيها الجهلة (10) الحكمة من تقديم

- رأيتك يا رشيد أخيراً تسكت مع ضيفك في التعليق على " ولم يكن له كفوا أحد" وكنت أتوقع أن أسمع (شطحة) عقلية، أو(صعلكة) سريانية أو لاهوتية، حول هذه الآية الكريمة، كأن تزعم أنت وصاحبك أن "أحد" هنا عبرية أو سريانية، لكنكم تخارستم وتطارشتم، ورأيتم السكوت أولى والتولية مدبرين أحسن من افتضاح أمركم، فقد اتسع الخرق على الراقع، وانكشف الغطاء الذي تتسترون به، ولتعلم يا هذا أن في هذه الآية أنواعاً من البيان اللغوي البديع العجيب أكتفي ببعض الوجوه البسيطة لتفهمها فللكثافة أقوام لها خُلقوا – وحسبنا الله ونعم الوكيل، من هذه الرقائق:

- 1- أن لفظة "أحد" قد ذُكرتْ أول السورة في سياق الإثبات أي في قوله تعالى: "قل هو الله أحد" ثم أُتى بها في آخر السورة أيضاً لكن في سياق النفي أي في قوله تعالى: "ولم يكن "الآية " يعني أنه لا نظير له ولا شبيه له لا في صفات الإثبات، ولا في صفات النفي، أي: انتفى النظير له قطعاً وحقاً.

- 2- أن الأصل في ترتيب الجملة الاسمية المنسوخة بكان أن يقدم اسم كان على خبرها، نقول: كان رشيد مسلماً، لذا فالأصل أن يقال: “ولم يكن أحد كفواً له "[1] لكن الاستعمال القرآني قدم الخبر "كفوا"ً على الاسم "أحد" فقال: "ولم يكن له كفواً أحد " ووراء هذا التقدم أي تقدم الخبر على الاسم حكم لغوية كثيرة دقيقة سأذكر لك ما أحسب أنك ربما تستوعبه مع جماعتك:

- فأقول: إن من سنن العرب في كلامها أنها تقدم ما يعتنون به وما يهتمون ببيانه،لينتبه السامع إليه ابتداء، فالفائدة هنا تتحقق بتسلط النفي على الخبر أي: متجه إلى نفي وجود مكافئا للذات الإلهية لذلك تقدم الخبر "كفواً " لأهميته ولتثبيته في ذهن السامع ثم علق "له" به أيضاً،[2]وقدمه على "كفواً" أيضاً لغاية بديعة أخرى وهي أن الضمير في "له" راجع إلى "الله الصمد " وهذا يعني أن الغرض متجه لبيان حقيقة الذات الإلهية أكثر من الحديث عن اسم كان المؤخر الذي هو لفظة "أحد" فهو في نهاية الأمر مخلوق تظنون أنه كفؤ لله الخالق, وهذا الغرض مع أهميته لا يرقى إلى أهمية بيان حقيقة الذات الإلهية،فالاحتياج إلى معرفته سبحانه أشد وأهم في تحقيق المعنى المراد،لأن معرفة الله حق المعرفة تؤدي إلى نفي المكافئ له بداهة،ولهذا قال الشوكاني بعد ذكره الآية "ولم يكن" هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها لأنه سبحانه إذا كان متصفاً بالصفات المتقدمة كان متصفاً بكونه لم يكافئه أحد ولا يماثله ولا يشاركه في شيء [3]، لعلك فهمت يا غلام اللاهوتيين المضلين.

- ومن الرقائق اللغوية التي تضمنتها هذه الآية أنه أخر اسم كان أي "أحد" مراعاة للفواصل السابقة "أحد – الصمد..." [4]وهذا الضرب من الجمال الموسيقي اللغوي العربي لا يدركه أمثالك ممن تفرنج سمعه، واعوج لسانه من كثرة ترديده للأناجيل المحرفة ذات الأساليب الجافة الفاقدة لأية موسيقى روحية تنبعث من العالم الملائكي الراقي، وكيف يذوق من لم يعرف؟

- أخيراً تقدم لكم العربية ستة وجوه تجوز في مثل هذا التركيب هي:

- 1- لم يكن أحد كفواً له

- 2- لم يكن أحد له كفواً

- 3- لم يكن كفواً أحد له

- 4- لم يكن كفواً له أحد

- 5- لم يكن له أحد كفواً

- 6- ولم يكن له كفواً أحد [5]

فإن تعلمت العربية أنت وضيوفك، ومهرتم في فهمها فسوف تدركون أن الوجه الأخير-أي الذي ورد في السورة -هو أرقى الوجوه وأعلاها عند العرب، وقد بينا لكم بعضاً من دقائقه اللغوية التي بأسلوب بسيط جداً لعلكم تدركونها.

- وكن على ثقة أيها المتنصر أن ما ذكرناه في كل الحلقات السابقة هو قليل من كثير مما تضمنته هذه السورة من رقائق لغوية ومضامين عقدية، يصعب عليك فهمها يا رشيد، فتتوقف عن زعماتك وخيالاتك:

- وأين الثريا من يد المتناول

الأمر أعظمُ من مقالة جاهل [6]

- ولتعلم أنني ما كتبت هذه الردود البسيطة إلا تحصيناً لشبابنا المسلم، فربما سمعوا أكاذيبك فظنوا أنك بارع في حين أنك فارغ،لا تلوي على شيء،لم نر عندك مع ضيوفك إلا الجهل والكذب والافتراء، والحمد لله على نعمة الإسلام الدين النقي الصافي الناصع،أسوق لك هذا الكلام لتدرك ما وراءه، فهو جواب لسؤالك في قصة الإسراء والمعراج لماذا شرب نبينا صلى الله عليه وسلم اللبن الأبيض؟فلو شرب الخمر لكان دينه دين خمرتكم وفسادكم!؟!ولندعكم في طغيانكم تعمهون،وهونوا على أنفسكم لقد حككتم جلدكم عن جرَب،ردك الله يا مسكين إلى دينك وشرح صدرك، وأنار قلبك بنور الهداية التي تبعدك عن أصحاب الضلالة،لعلك تعود غلى أهلك وقومك،فليس ذلك على الله بعزيز.

والخلاصة يا رشيد: أن سورة الإخلاص، نزلت بلغة العرب،لغة النبي العربي الأمين،واسمع هذه الآيات التي تصور شأنك كله لعل الله يهديك إلى طريق الرشاد يا رشيد قال تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا: ائت بقرآن غير هذا أو بدِّله، قل: ما يكون لي أن أبدّلَه من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم } فتأمَّل هذه الآيات، كم فيها من صدق حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، فما هو إلا مبلغ، بلغ الأمانة وأدَّى الرسالة،التي هي رحمة للعالمين فلا تكذّبْ يا رشيد، وكفاك ضلالاً وبهتاناً، ربنا لا تؤاخذنا بما صدر منا من ألفاظ قاسية، لقد بغوا على ذاتك، وتهكموا برسولك، واستخفوا بكلامك، وطعنوا بأوليائك، وقلت في محكم كتابك:{فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وقلت أيضاً: {أشداء على الكفار }، وقال نبينا المصطفى: "اهجهم وجبريل معك " فارددهم اللهم خاسرين مخذولين مقهورين، وأظهر المسلمين عليهم في كل وقت وحين ما داموا للحرب معلنين، اللهم آمين، ونحن على يقين من قول رب العلمين في قرآننا الكريم:{إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.

[1] - وأحد هنا اسم يكن سواء قلنا إن الخبر هو كفوا أو له،فعلى الوجهين تقدم اسم كان على الخبر،وليعلم أنه إذا قلنا إن كفوا هوالخبر فله متعلق بـ"كفواً" أو متعلق بحال من كفوا،ويجوز أن يكون الخبر" له" و"كفوا"ً حال من "أحد" أي ولم يكن أحد كفو له،ونعت النكرة إذا تقدم عليها انتصب على الحال،فقيل:ولم يكن له كفواً أحد

[2] - البحر المحيط 8/529

[3] - فتح القدير 5/517

[4] فتح القدير 5/517

[5] - انظر روائع البيان، للمهندس مثنى الهبيان،13/693 بتصرف

[6] - في الأصل من مقالة قائل

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين