تعظيم شأن التائب ثلاث آيات قرآنية مدهشة وعجيبة

 
 
 
بقلم / د. خلدون عبد العيزيز مخلوطة
 
 
لعل من أهم ما يحتاجه المؤمن الصائم بعد خروجه من عبادة الصيام ، المحافظة على العهود ، والاستقامة على معاني التقوى ، والثبات على معاني المحبة ، والوفاء للحق سبحانه بالإخلاص والإنابة، وتجديد التوبة مع تجدد الأنفاس .
 
ونحن الآن أمام ثلاث آيات ، ذات دلالات عجيبة ، ولحرمة التائب المؤمن مفخمة ، ولمكانته عند الله معظمة، اقرأها وحلِّق في معانيها:
 
الأولى: قوله سبحانه : (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم) [التوبة :104].
 
والثانية : (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) [الشورى : 25]
 
والثالثة : ( أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) [الأحقاف : 16].
 
وظاهر الأمر أن يقال: ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة «من» عباده، ولكنه ترك «من» وجاء بــ «عن» ، والبعض يقول: إن حروف الجر ينوب بعضها عن بعض، فتأتي «من» بدلاً من «عن» . ونقول: لا، إنه كلام الحق سبحانه وتعالى ولا حرف فيه يغني عن حرف آخر، وهذا استعراض لأشهر أقوال المفسرين:
 
1-         صاحب الكشاف يجعل القبول متضمنا معنى الإثابة فيقول : (يقال قبلت منه الشيء وقبلته عنه، فمعنى قبلته منه أخذته منه وجعلته مبدأ قبول ومنشأه، ومعنى قبلته عنه أخذته وأثبته عنه ).
 
2-         القاضي الباقلاني يضمن القبول تسهيل التوبة والتوفيق لها فيقول: (إن التعبير "عن عباده" أبلغ لأنه ينبئ عن القبول مع تسهيل سبيله إلى التوبة التي قبلت).
 
3-         العلامة الرازي يضمن القبول حالة التائب في انكساره وتذلله بين يدي ربه فيقول : ( إن كلمة «عن» تفيد البعد، فإذا قيل: جلس فلان عن يمين الأمير، أفاد أنه جلس في ذلك الجانب لكن مع ضرب من البعد فقوله: "عن عباده" يفيد أن التائب يجب أن يعتقد في نفسه أنه صار مبعدا عن قبول الله تعالى له بسبب ذلك الذنب، ويحصل له انكسار العبد الذي طرده مولاه، وبعده عن حضرة نفسه، فلفظة «عن» كالتنبيه على أنه لا بد من حصول هذا المعنى للتائب).
 
4-         العلامة الشعراوي يضمن معنى القبول التجاوز عن العقوبة، وفيه إغراء وتشجيع على التوبة، فيقول: (التجاوز عما تابوا عنه ، ومعنى التوبة، أن ذنباً قد حدث، واستوجب المذنب العقوبة، فإذا قَبل الله التوبة، فقد تجاوز الله عن العقوبة؛ ولذلك جاء القول من الحق محدداً: {أَلَمْ يعلموا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التوبة} أي: متجاوزاً بقبول التوبة عن العقوبة)
 
 ومثله قال الألوسي : (التجاوز عما تابوا عنه ، والقبول يعدى بعن).
 
5-         ويقول العبد الضعيف كاتب هذه السطور ، إن التعبير بقوله سبحانه: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ) تعظيم لشأن التائب، وتنزيله المنزلة العالية، فكأن الله تعالى جعل من ذاته المقدسة تنوب عن عبده التائب في قبول توبته، ويحميه من آثار معصيته ، ويتكفل له بالعفو المغفرة، وليس هناك أعظم للمؤمن من هذه المكانة، وما بعد هذا من رفعة وتكريم.
 
 ولكن أي توبة نحتاجها ، وما المضامين التي تحملها في طياتها ، لعل هذا الحوار يكشف لنا عن معانيها ، عندما سمع سيدنا علي رضي الله عنه رجلا يكتفي من توبته بلسانه وهو يردد :( اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك)، فقال له : (يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين ، فتوبتك تحتاج إلى توبة، فقال يا أمير المؤمنين وما التوبة؟ فقال اسم يقع على ستة أشياء: 1- على الماضي من الذنوب : الندامة ، 2- ولتضييع الفرائض : الإعادة ، 3- ورد المظالم ، 4- وإذابة النفس في الطاعة كما ربيتها في المعصية ، 5-وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، 6- والبكاء بدل كل ضحك ضحكته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين