تعريف بكتب علي الطنطاوي: (5) هُتاف المجد

في الكتاب خمس وثلاثون مقالة، منها ما نُشر أصلاً مقالات في الصحف والمجلات، ومنها ما كان أحاديثَ أُذيعت في الإذاعات أو خطباً أُلقيت في الاحتفالات والمهرجانات، وهي تعود إلى حقبة طويلة تمتد عبر ثلاثينيات وأربعينيات وخمسينيات القرن العشرين.

هذا الكتاب ديوان من دواوين الحماسة، تتجلى فيه الروح الوطنية لعلي الطنطاوي، وتبدو فيه عاطفته الدينية في أظهر صورها وأعنف حالاتها. إنه يشنّ فيه حرباً شرسة ويَحْمل حملة عنيفة على أعداء الأمة والمستعمرين؛ على فرنسا في الشام وفي الجزائر، وعلى إنكلترا في مصر وفي فلسطين وفي اليمن، وعلى إيطاليا في ليبيا، وعلى اليهود فوق كل أرض وتحت كل سماء!

لقد كانت قضايا الأمة شغلاً شاغلاً لعلي الطنطاوي على امتداد حياته كلها، منذ أول خطبة ألقاها في حياته وهو طالب في المدرسة الابتدائية وعمره أربعة عشر عاماً وهاجم فيها الفرنسيين يوم كان الفرنسيون يحكمون الشام، إلى آخر أيام حياته. أفتعلمون أن آخر ما سجّله من أحاديث وأن آخر كلمة عامة له -في الشهر الذي سبق وفاته- كانت انتصاراً لمسلمي كوسوفو المستضعفين واستصراخاً للأمة لنجدتهم ونصرتهم؟ اللهمَّ ارحمه واعفُ عنه وافسح له في قبره ونوِّر له فيه قدرَ ما جاهد في سبيلك واهتم بعبادك وسعى لنصرة دينك، اللهمَّ آمين.

* * *

وهو يتدفق في هذه الخطب والمقالات حماسة ويلتهب انفعالاً، حتى ليكاد القارئ يقفز عن كرسيّه أو يرمي من يده الكتاب، وينطلق إلى ساحات الوغى وميادين الجهاد. اقرؤوا هذا المقطع من مقالة "خطبة الحرب" وتخيلوه وهو يلقيه بصوته القوي الهادر (الذي كان يُسمِع الجامع الأموي كله بلا مكبر):

"إنها معركة الخير والشر قد عادت، ونحن أبداً حملة لواء الخير في الدنيا، ونحن حماة الحق في الأرض. ما أضعنا الأمانة التي وضعها على عواتقنا خمسةُ ملايين من شهدائنا نثرناهم في الأرض طَوال القرون. هذا تاريخنا، ما سمعت أُذُن الزمان تاريخاً أحفل منه بالمفاخر وأغنى بالنصر وأملأ بالأمجاد، ووالله الذي جعل العزة للمؤمنين، وجعل الذلة لليهود لنكتُبنَّ هذا التاريخ مرة ثانية، ولَنَتلُونَّ على الدنيا سفْر مجدٍ يُنسي ما كتب الجدود، ولنجعلنَّ أساسه ضرباً لا تثبت له شوامخ الصمِّ من أجلاد الكرمل ولا هام المردة من شياطين الجحيم، فكيف برؤوس اللصوص الغاصبين؟ ولنحاربنَّ بالنار والحديد والبارود وبالسيوف والخناجر والعصيّ، فإن لم نجد يوماً السلاحَ حاربنا بأيدينا. ولنسوقنَّ إلى الحرب شباباً أنضر من الزهر، وأبهى من الضحى، وأثبت من الجبل، وأمضى من العاصفة، فإن لم نجد يوماً شباباً سُقنا إليها الشيوخ والأطفال والنساء.

فيا أيها العرب في كل أرض، يا أيها المسلمون تحت كل نجم، يا أيها الرجال ويا أيتها النساء: لقد أزفت ساعة المعركة الفاصلة، فليحمل كلٌّ منكم نصيبه منها، واعلموا أن الظفر لكم. يا أيها المجاهدون في عُمان والجزائر والقرى الأمامية في فلسطين، ويا أيها العاملون على تحطيم آخر صنم للاستعمار في بلاد العرب، اصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين