تعريف بكتاب (الميزان العلمي: دراسة موضوعية تحليلية لفكر الدكتور محمد شحرور ومنهجيته) 

-1-

برزت في العصر الحديث مدارس فكرية مختلفة في الدعوة إلى دين الله تعالى، كل مدرسة تحاول إحياء مجد الأمة وحضارة الإسلام، فمنها مدارس تربوية هي امتداد لتيارات تاريخية كانت موجودة في التاريخ، ومنها مدارس جديدة مستحدثة، فيها المعتدل وفيها المتطرف، وفيها العقلاني والروحاني والانفعالي المتهور، وكان حصاد هذا كله: نجاحات في أمور محددة، وإخفاقات في أمور أخرى، وفي المحصلة لم يتحقق الإصلاح المنشود نتيجة أسباب داخلية وخارجية.

في هذا المضمار بدأنا نجد من يلقي أسباب الفشل في سعينا للحضارة على الإسلام ذاته، وهذا ما فعله الملاحدة واللادينيون.

وهناك من ألقى أسباب الفشل على طريقة فهمنا للإسلام، فبدأت تظهر طروحات وأفكار جديدة لفهم الدين بطريقة ثورية، فهي لا تؤمن بالمناهج التقليدية المتبعة عند علماء الدين ودعاته من التيارات والمذاهب المختلفة، وقد رأى بعض الناس ـ من ضعاف الفكر والعلم ـ في هؤلاء مظلة تحميهم من الانجرار للإلحاد، وتقيهم شر أصحاب التكفير والتطرف والعنف، فصفقوا ورحبوا بهؤلاء، باعتبارهم دعاة التجديد والتنوير والانفتاح الحضاري!

ولكن هؤلاء التنويريين التجديديين وقعوا في مشاكل عدة:

أولها: أن طروحاتهم وتأطيرهم الثقافي لم يكن قائماً على مناهج علمية سوية يقبلها المنطق، ويقر بها أهل الاختصاص، فكل علم له أربابه، والتطفل على علم ما دون دراسته بشكل منهجي صحيح لا يعطيك الحق لتفتي في هذا العلم وتكون مرجعاً فيه.

ثانيها: لكل فعل ردة فعل، فانتشار أفكار تحررية ثورية باسم التجديد والدين، سيكون له ردة فعل أكبر في إيجاد المتشددين والمتكلسين والعاكفين في محراب التراث. ولا تعالج المشكلات الفكرية والحضارية إلا بالبحث العلمي، والتحليل الدقيق، والحوار الحضاري، لا بأسلوب فرض الفكر بواسطة العصا والجزرة، فالأفكار لا تزرع في العقول ولا تقبلها النفوس إلا بالرضا والاختيار.

ثالثها: إن عدم احترام التخصص والمرجعيات العلمية لتقول كلمتها فيما هو صواب أو خطأ سيخلط الأوراق وينشئ فوضى علمية لا نهاية لها، تعقبها فوضى اجتماعية وأخلاقية وتفكك الدول والمجتمعات، لأن الثقافة أساس بناء المجتمع، والتمزق الثقافي يفكك لحمة المجتمع، وليس كل من يتكلم العربية يصلح لأن يكون باحثا في دقائقها وعلومها، وإعجاز كتابها الخالد، كما أنه ليس كل من يعرف اللغة الإنجليزية مثلاً هو مُخَوَّل في شرح آداب وأشعار شكسبير وجون ميلتون وجون درايدن وجورج بايرون... وإلا لم يكن هنالك حاجة لكليات اللغات والآداب!

رابعها: إن أصحاب الأفكار الجديدة أوجدوا مشكلات أكثر مما أوجدوا حلولا، مشكلات مع التراث والنصوص، ومع الماضي والحاضر، فنحن أمام تطرف جديد في فهم النصوص سيدمر كل شيء، ولن يقبل أحد برأي غيره، إذ سيعتبر نفسه حجة في فهم اللغة والدين، وبالتالي إن هذا الفكر الحداثي المتلبس بالدين سيضعنا أمام تفسيرات وشروحات وغرائب لا نهاية لها، فإذا كنا نرجوا أن ننجو بهؤلاء من تكلس المدارس التقليدية وجمودها، فإننا سنكون كالمستجير من الرمضاء بالنار!

خامسها: إن التطرف الجديد باسم التجديد هو أخطر بكثير من التكلس والتقوقع في سجن الماضي، وقد أنتج المحدثون تطرفا وتكفيرا لا يقل خطره عن تأطير مدرسة العنف والتكفير! وسنعرض لهذا الأمر نموذجاً في هذا البحث.

سادسها: إن في هذه الأمة من العقلاء والعلماء والأدباء عدداً كبيراً، وإذا كنا جادين في البحث عن حلول لأزماتنا الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية فهذا يكون بالعودة إلى هؤلاء واستشارتهم، فلن تعدم أمة (اقرأ) أن تجد رجالاً أولي رأي وخبرة ينتشلونها من وهدة الضياع.

-2-

وكان من فضل الله وتوفيقه أن يسر لي تتبع ما يسمى بالتجديد والرؤى المعاصرة في تطوير الدين، فتتبعت مواقف بعض دعاة التجديد هؤلاء في كتابٍ سميته: (اتجاهات تجــديدية متطـــرفـة في الفكر الإسلامي المعاصر) صدرت الطبعة الأولى منه عن دار: منار للنشر والتوزيع بدمشق ومؤسسة علوم القرآن ببيروت 1421هـ/ 2001م. وكان من بين الكتب التي عرضت لها بالدراسة كتاب (الكتاب والقرآن) للدكتور محمد شحرور.

واليوم وقد مر ما يقارب عشرين عاما على نشري تلك الدراسة عن التجديديين، وها قد انتشر فكر هؤلاء ـ كما توقعتُ ـ وأحدث زوبعة وبلبلة عند العامة وبعض المثقفين، وبخاصة فكر الدكتور محمد شحرور الذي انتشر بفعل أسباب عدة، منها الجمود الفكري والحضاري في حياتنا المعاصرة، وإخفاق دعوات الإصلاح والنهضة، وتأثير وسائل الإعلام التي تبحث عن الإثارة والجديد، وتتنافس فيما بينها في هذا الصدد ... لذا رأيت أن أعود لكتابي فأجمع وألخص ما أوردته حول (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة) للدكتور شحرور، وذلك تسهيلاً لمن أراد البحث والاطلاع حول الموضوع، ثم ألحق به بعض الدراسات والملاحظات حول بعض كتب الدكتور شحرور ومنهجه، وبخاصة أن الدكتور شحرور اتخذ موقعا على الشبكة العنكبوية نستطيع من خلاله الوصول إلى بعض تلك الكتب ـ وليس كلها ـ ومتابعة كثير مما يكتبه بسهولة.

-3-

حدود البحث

سيكون هذا البحث مقتصراً على عرض آراء الدكتور محمد شحرور ودراستها من بعض كتبه، وكذلك من خلال موقعه على الشبكة الإلكترونية (النت)، وسنجيب على أسئلة البحث من خلال هذه الدراسة

-4-

أهداف البحث

1-معرفة ضوابط البحث العلمي ومدى التزام الدكتور محمد شحرور بها.

2-تقويم المعلومات والأفكار الجديدة في التأليف حول القرآن الكريم عند الدكتور شحرور.

3-تبيان خطر الخوض في القرآن الكريم دون امتلاك المعرفة الأصيلة بالتراث واللغة العربية.

4-تمييز الإضافات والرؤى الإبداعية من الزيف والجهل عندما يتستر بالتجديد والتحديث.

-5- 

منهج البحث

1.ركزنا في دراستنا على مقدمة الدكتور محمد شحرور في كتابه (الكتاب والقرآن) التي ذكر فيها كيفية تأليفه للكتاب، ومنهجه، ومصادره. وعلى ما ذكره الدكتور شحرور في موقعه على الشبكة يوضح منهجه تحت عنوان: (المنهج المتبع في التعامل مع التنزيل الحكيم وفق القراءة المعاصرة ـ لمحة وجيزة عن قراءتنا المعاصرة للتنزيل الحكيم) ( )، وعلى ما ذكره أيضاً يوضح مصطلحاته تحت عنوان: (دليل المصطلحات الواردة في التنزيل الحكيم)( )، دون إهمال بقية كتبه وأقواله الأخرى.

2.منهجنا يقوم على التحليل الموضوعي، لذا سنختار موضوعات وعينات من كتبه، نقوم بدراستها وتحليلها، وذلك وفق ضوابط البحث العلمي الموضوعي.

3.غرضنا الإنصاف، وإسداء الملاحظات لمن أراد أن يؤلف في ميدان الدراسات الإنسانية بعامة، والقرآنية على وجه الخصوص، لتكون الدراسات على قدر يليق بجمال كتاب الله العظيم وجلاله، ولتسهم في نهضة الأمة، لا تشتيتها وتراجعها الفكري والحضاري.

4.ربما ذكرنا الآية بتمامها، أو الحديث النبوي كاملاً، ولم نقتصر على موضع الشاهد منهما؛ لئلا يُقتطع الكلام من السياق، إذا كان ذلك يساعد في فهم المراد.

5.وثقنا المادة العلمية التي نستشهد بها من حديث نبوي شريف، أو شعر، أو أقوال للعلماء في مظانها الأصلية أو نحوها.

6.تتبعنا في دراستنا المدارس الأدبية والنقدية المختلفة بغية الوصول إلى الحقيقة.

7.وضعنا بعض الشروح والتعليقات في الحواشي لأهميتها، ولم نسهب في ذلك.

-6-

خطة البحث

وعلى هذا سيكون كتابنا الجديد هذا الموسوم بـ: (الميزان العلمي: دراسة موضوعية تحليلية لفكر الدكتور محمد شحرور ومنهجيته) مكوناً من تمهيد، وثلاثة فصول مقسمة إلى مباحث، يعقبها الخاتمة، وفهرس المصادر والمراجع، كالآتي:

تمهيــــــــــــــــــــــد

ونتناول فيه ثمانية أمور حول المنهجية العلمية وقواعد البحث العلمي.

الفصل الأول: دراسة منهج الدكتور شحرور

وفيه مبحثان:

المبحث الأول: منهج الدكتور شحرور الذي ذكره في: (الكتاب والقرآن قراءة معاصرة).

المبحث الثاني: منهج الدكتور شحرور الذي ذكره واعتمده في موقعه الشخصي على شبكة الإنترنت

الفصل الثاني: مصطلحات الدكتور شحرور كما ذكرها في موقعه على شبكة الإنترنت

وليس في هذا الفصل مباحث، ولكن نذكر المصطلحات التي ذكرها، ونتبع كل مصطلح ببعض الملاحظات أو التنبيهات.

الفصل الثالث: دراسة محتوى فكر الدكتور شحرور

وفيه تسعة مباحث:

المبحث الأول: الموقف من القرآن الكريم وعلومه

المبحث الثاني: الموقف من السنة النبويـة وعلومها

المبحث الثالث: الموقف من الإجماع

المبحث الرابع: الموقف من القيــاس

المبحث الخامس: الموقف من التراث العلمي والفقه

المبحث السادس: الموقف من السلفية والفرق الإسلامية

المبحث السابع: من اجتهادات الدكتور شحرور

المبحث الثامن: من فقه الدكتور شحرور

المبحث التاسع: ملاحظات علمية مختلفة

الخاتمة: ونوجز فيها البحث ونتائجه وأهم التوصيات

فهرس المصادر والمراجع

وعليه فمن أراد معرفة طروحات الدكتور شحرور، والرد عليها بشكل موضوعي ومشذب ومختصر فلعل هذا الكتاب يساعده في غرضه!.

-7-

ونؤكد هنا أننا قد نتفق مع الدكتور محمد شحرور في بعض الأمور، ولكن ما نختلف به معه من حيث الفهم للنصوص، والمنهج العلمي، هو أكثر مما نتفق معه بكثير!.

وكذلك نؤكد هنا أيضاً على حق كل إنسان في التفكير، وحريته فيما يقول، ونتذكر هنا قول فولتير: (إني أخالفك الرأي، لكني مستعد للدفاعِ حتى الموت عن حقك في إبدائه).

ونؤكد أيضاً حق وسائل الإعلام في نشر ما تريد، ومراعاة مسئولية الكلمة، ونتذكر هنا ما جاء في القرآن الكريم: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ [إبراهيم: 24].

وجاء في الإنجيل: (في البدء كان الكلمة) .

ونتذكر أيضاً قول إلدوس هكسلي: "الكلمات كأشعة إكس: أحسنْ استخدامَها تخترق كلَّ شيْ"( ).

وبالمقابل نؤكد على حق الآخرين في الرد على أية طروحات وآراء لا تقبلها عقولهم، فلا حجر على أحد في ساحة البحث والعلم والحوار، شريطة الالتزام بقواعد البحث العلمي، والموضوعية التامة، والتوثيق في المظان الأصلية لكل ما يتم الاستشهاد به، ورحم الله الشاعر الأرجاني الذي قال:

اقْرنْ برأيِكَ رأيَ غيرِكَ واستشرْ

فالحقُّ لا يخفى على إثنــــــــــين

نسأل الله أن يلهمنا الرشد والصواب، وأن يهدينا الصراط المستقيم.

ملاحظة: صدر الكتاب عن: (دار إتقان، أسطنبول، 2020م، يقع الكتاب في 456 صفحة من القطع الكبير)

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين