تعريف بالموسوعة الطبية الفقهية

صدرت حديثاً عن دار النفائس في بيروت الطبعة الثالثة من ( الموسوعة الطبية الفقهية ) من تأليف الطبيب أحمد محمد كنعان ، رئيس قسم مكافحة الأمراض المعدية بالمنطقة الشرقية (السعودية) وزميل الجمعية العالمية لتاريخ الطب ، والعضو في العديد من الهيئات والجمعيات العلمية العربية والعالمية .
 وقد قدم للموسوعة سعادة الدكتور محمد هيثم الخياط كبير مستشاري منظمة الصحة العالمية ، الذي بين قيمة هذه الجهد العلمي الكبير ، وحاجة المكتبة العربية له منذ زمن بعيد ، وأن هذه الموسوعة هي الأولى من نوعها في هذا الحقل المهم من حقول المعرفة ، سواء في جانبها الفقهي أو جانبها الطبي والأخلاقي .
والموسوعة عبارة عن مصنف شامل جامع للأحكام الفقهية في حال الصحة والمرض ، إلى جانب الضوابط الأخلاقية التي تنظم ممارسة مهنة الطب ، وتنبع أهمية هذه الموسعة من أنها تلبي حاجة الأطباء إلى مرجع علمي رصين يحدد الضوابط الأخلاقية لممارسة الطب ، وحاجة علماء الشريعة والفقهاء إلى مرجع طبي شرعي يلقي الضوء على أبرز القضايا الطبية ويبين أبعادها الشرعية مما يساعد الفقيه على إصدار أحكامه في القضايا الطبية عن بينة ، وهذا ما يجعل الموسوعة مرجعاً لابد منه لكل من العاملين في الطب ، والسادة الفقهاء .
تقع الموسوعة فيما يزيد عن ألف صفحة من القطع المتوسط ، وتتضمن أكثر من مائتي عنوان رئيسي وآلاف العناوين الفرعية ، إلى جانب عدد كبير من الصور التوضيحية ، والجداول والبيانات التي تساعد الفقيه والطبيب على فهم قضايا الطبية واتخاذ الموقف المناسب منها .
وقد اتبع المؤلف في هذا السفر القيم الأسلوب الموسوعي في تصنيفه ، فرتب الموضوعات حسب الأبجدية حتى يسهل على القارئ الوصول إلى المادة المطلوبة ، وأفاض المؤلف في شرح كافة الجوانب الطبية والفقهية لكل موضوع من موضوعات الموسوعة بطريقة سهلة ، ولغة سلسة مبسطة ، ما يجعل الموسوعة فريدة في بابها وفي أسلوبها معاً .

 
تقديم
الأستاذ الدكتور محمّد هيثم الخيّاط
عضو مجامع اللغة العربية بدمشق وبغداد وعمّان والقاهرة وعليكرة وأكاديمية نيويورك للعلوم
نائب المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق المتوسط
كان ينبغي لهذا الكتاب النَّفيس أن يَصْدُرَ منذ زمن بعيد ، فالمسلمونَ الملتزمونَ ـ وَهُمْ بحمد الله كثيرٌ ـ حراصٌ على معرفةِ الحُكْمِ الشَّرعيّ في كلّ أمرٍ من أمور حياتهم ، وليسَ يخفى أنَّ شؤونَ الصحَّةِ والمرضِ هي من أمَسّ أحوال الإنسان به ، وألصَقِها بحياته اليومية ، وأكثرها مواجهةً له في جميع أحيانه ، ولذلك كانَ العِلْمُ بحكمها الشَّرعيّ أدْعى وأوجب .
ولقد عالجَ فقهاؤنا ـ رحمهم اللهُ ورضي عنهم ـ كثيراً من هذه الأمور في مواضعَ متفرّقة من كتب الفقه معتمدينَ في الجزءِ الطبيّ منها على ما أتيحَ لهم في عصورهم من معارف ، كما تناولَ عددٌ من فقهائنا المعاصرين ـ جزاهم الله خيراً ـ طائفةً أخرى مما اسْتجدَّ من هذه المسائل في فتاوى لهم متفرقة أو مجموعة ، بما أنه يَجدُّ للناس من الأقضية بقدر ما يَجدُّ لهم من القضايا ، على أنَّ هذه الفتاوى والأحكامَ والأقضيةَ قد بقيتْ جميعاً مبثوثةً هنا وهنالك متفرّقةً لا يكاد يجمع بينها جامعٌ ، فكان من العسير على أيِّ امرئ يريدُ أن يتعرَّفَ على حُكْم الشَّرعِ أنْ يَجدَ بينَ يديه مرجعاً سَهْلَ المتناول يسيرَ المنال ، يجمعُ لهُ شَمْلَ ما تفرَّق من هذه الأحكام ، ويلخصُها له في لغة واضحة لا صعوبةَ فيها ولا تَوَعُّرَ ، ويعرضُ له مختلفَ الآراءِ ـ إن اختلفت الآراءُ ـ تاركاً له أن يأخذ بما يطمئنُّ إليه فؤادُهُ ، أو مرجّحاً له ما ظنَّه أقوى حجةً وأقومَ سَنَداً .
ولقد اضطلعَ الأخُ الفاضلُ الدكتور أحمد كنعان بتلبية هذه الحاجة ، وسدّ هذه الثغرة ، والقيام بفرض كفائيّ لم ينهض به غيرُهُ ، فجمعَ شَتاتَ هذه المسائل جمعاً يكادُ يكونُ مستوعباً ، واعتمدَ على معارف العصر في تصحيح بعض ما كانَ مبنيَّاً على معارف تبيَّن عدمُ صلاحها ، وفي توضيح الحُكْم بلغة يفهمُها أبناءُ العصر ، بعيداً عن تعابير قد تبدو غريبةً أو مُسْتَغْلقَةً على الأفهام في أيامنا هذه ، وأكثَرَ من التَّعَرُّض إلى ما استجدَّ من مشكلات ، محاولاً أن يتخيَّر من اجتهادات فقهاءِ العصر ما رآهُ أقربَ إلى روحِ الحنيفيَّة السَّمْحَة .
ولقد أعانهُ على جمع هذه الأحكام المستجِدَّة أنَّ عدداً من الهيئات المباركة ، في عصرنا الحاضر ، ولاسيما ( المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ) منفردةً أو مشتركةً مع ( المجمع الفقهيّ التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي ) و ( منظمة الصحة العالمية ) إلى جانب عدد من المجامع الأخرى ، قد جَنَحَتْ إلى الاجتهاد الجماعيّ ، وذلك بأنْ تدعو إلى ندواتها ومؤتمراتها نخبةً من الفقهاءِ والأطباءِ وغيرهم من الخبراءِ في القضية المبحوثة ، فيقومُ الأطباءُ وسائرُ الخبراءِ بعَرْض الجانب الطبيّ من الموضوع عرضاً مفصَّلاً ، ويجيبون عن أسئلة السَّادة الفقهاءِ مهما تفرَّعتْ وتشعَّبَتْ ، وتتضحُ الصُّورةُ ، وينبلجُ الحقُّ ، ويكون الحكمُ أقربَ إلى الصَّواب إنْ شاءَ اللهُ تعالى .
وقد كانَ من فضل الله عليَّ أنْ شهدتُ كثيراً من هذه الندوات والمؤتمرات ، وأشهدُ لقد كان الإخوةُ الفقهاءُ أوسعَ صَدْراً من إخوانهم الأطباء ، وأرحبَ فكراً ، وكانوا في غالب الأمر دعاةَ تيسير وسماحة ، وهذه سجيَّةُ الفقيه الحقّ الذي يلتزم بمنهج الرحمن الرحيم الذي لو شاءَ لأعْنَتَ الناسَ ، ولكنه أرادَ بهم اليُسْرَ ولم يُردْ بهم العُسْرَ ، ولم يجعل عليهم في الدّين من حَرَج .
على أنني وأنا أتحمَّسُ للاجتهادِ الجماعيّ وأدعو إليه ، لستُ من القائلينَ بسَدِّ باب الاجتهاد الفرديِّ أو العُدول عنه ، فكم من فرد أجرى اللهُ الحقَّ على قلبه ولسانه ، وكأيٍّ من مجتهد أصابَ كَبدَ الحقيقة أكثرَ مما أصابَها طائفةٌ من العلماءِ ، ولو شاءَ ربُّكَ لجعلَ الناسَ أمَّةً واحدةً ، وإذا كان الأخُ الكريمُ قد آثَرَ ما استطاع أنْ يرجعَ إلى آراءِ جمهرة الفقهاءِ ، فقد كان له في مواضعَ عديدة من اجتهاده ما يَشْرَحُ الصَّدْرَ ويقرُّ العينَ ، وهو في ذلك كله متقلّبٌ بين الأجْرِ الواحد والأجْرين إن شاء الله تعالى .
ثمَّ إنَّ غايةَ هذا الكتاب تبيانُ الحكم الشَّرعيّ في مختلف الأمور ، فلا يتوقعنَّ قارئه أنْ يجد فيه كثيراً مما اصطلح على تسميته بـ ( الطبِّ النبويِّ ) من أحاديثَ تَصِفُ بعضَ الأدوية لبعض الأمراض ، وهي في حقيقة الأمر مما عَرَفَتْهُ العربُ من خبرتها وتجاربها ، وأشارَ إليه النبيُّ  بقوله في الحديث المتفق عليه عن جابر : (( إنْ كان في شيءٍ من أدويتِكُم خيرٌ ، أو قال شفاءٌ ، ففي شَرْطَةِ مِحْجَم ، أو شَرْبَة عَسَلٍ ، أو لَدْغَةٍ بنارٍ تُوافقُ الدَّاءَ ، وما أحبُّ أن أكتوي ))(1) ، فقد قال  : (( أدويتكم )) أي أدوية العرب في عصره كما ترى ، ومنها ما يليق ببيئة مُعَيَّنة ، ولا يمكن أنْ يُحمل على العموم لكلّ البشر ، ورسولُ اللهِ ، كما يقول الإمامُ ابنُ القيم(2) في كتابه زاد المعاد : ( إنَّما بُعثَ هادياً وداعياً إلى الله وإلى جنَّته ، ومعرِّفاً بالله ، ومبيِّناً للأمة مواقعَ رضاه وآمراً لهم بها ، ومواقع سخطه وناهياً لهم عنها .. وأما طبُّ الأبدانِ فجاءَ من تكميل شريعته ، ومقصوداً لغيره .. )(3)
ولا يسعني أنْ أختتمَ هذه الكلماتِ دون أن أذكرَ بالإعجاب والتَّقدير المستوى المتميّز الذي يطبع بطابعه عَرْضَ الأخ المؤلف للمادَّة العلميَّة التي استند إليها في معالجة كلّ بند من بنود موسوعته القيّمة ، وأنْ أعربَ عن سعادتي البالغة باستعماله الموفَّق لِلُغَةِ التَّنْزيلِ العزيزِ في الحديث عن هذه الموضوعات الطبيَّة ، فهذه اللغةُ الشَّريفةُ التي بقيتْ لغةَ العلمِ في العالم قروناً طوالاً ، أصابَها من عُقوقِ بَنيها في هذا العصر ما أصابَها ، لولا أنْ قيَّض اللهُ لها جنداً من جُنْده ، شرَّفهم بحمل رايتها ، والبرهنة على أنَّ هذه اللغة التي لم تعجز أن تعبّر عن مُعجِز الكلامِ وآياتِ اللهِ الخالداتِ ، لن تعجزَ ـ وحاشاها أن تعجز ـ أن تعبّر عن جزءٍ متواضعٍ من أفكارِ الناسِ في حقبةٍ متواضعةٍ من الزمان ! هذه اللغة هي الصّلةُ التي تصلُ أبناءَ هذه الأمة بماضيهم ، وتربطُهم بإسلامِهم ، وبها يستطيعون أن يفقهوا دينَهم ، ويتفهَّموا نصوصَهُ ، ويستوعبوا أحكامَهُ ، وللأخِ الكريمِ فضلُ وشرفُ الانضمام إلى هذا الرَّعيل الطيب الذي يؤمن بأهميَّةِ هذه اللغةِ ، ويعمل على تبوئتها ما تستحقُّه من مكانةٍ .
وبعدُ ، فإني أرى في هذا الكتاب القيّم عملاً من أجَلّ الأعمال التي صدرت في هذا العصر ، وأنا أدعو الله سبحانه أن يُجزل النفعَ به ، وأن يجعله زُلفى لمؤلفه يومَ تَزِلُّ الأقدامُ ((ولِكُلٍّ دَرَجاتٌ ممَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أعْمَالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)) .
 الدكتور محمد هيثم الخياط

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين