تعددت الأسباب والقتل واحد

 

بين القتل التكنولوجي الأنيق و القتل البدائي العنيف

 

أحدثت الجريمة المنكرة التي ارتكبها إرهابيون ( بدائيون ) ردة فعل عنيفة لدى المجتمعات الإنسانية المتمدنة أو مدعية التمدن. وكان من الحق على الجميع أن يبادر إلى استنكار الجريمة جريمة القتل ، واستنكار طريقة تنفيذها ، واستنكار العنوان الذي ارتكبت تحته الإسلام وشريعته السمحة الآمرة بالبر والقسط.

ولكن وبينما كانت المجتمعات المخملية المعولمة من زبائن وجبات ماكدونالدز وكوكا كولا مشغولين باستنكار الجريمة ( البدائية الوحشية القاسية البشعة ..) كانت هذه المجتمعات تتابع بروح مترفة مشهد الموت الأنيق تحدثه التكنولوجيا الأمريكية ( الطائرات والقذائف ) باليد الصهيونية فوق رؤوس المدنيين الفلسطينيين . وكان أنيقا – عند اللاهين في العالم المتمدن - مشهد ردم زوجة القائد الفلسطيني ( الضيف ) وطفلها الرضيع تحت أنقاض القذائف الصهيونية المدمرة ..

كما كان لطيفا – عند المتفرجين المرهفين - مشهد الموت يتسلل إلى رئات مئات السوريين في مثل هذا اليوم من العام الماضي في غوطة دمشق . وما زال لطيفا أنيقا عصريا حضاريا مليئا بالفنتازيا مشهد الموتى من أطفال ونساء وآدميين سوريين تنتشلهم أيد آدمية أخرى من تحت أنقاض البراميل المتفجرة ترميها الأيدي الناعمة لبشار الأسد وعصاباته وشركاه...

ما عجزنا كعرب وسوريين أن نوصله إلى العالم الأكثر تمدنا هو أنّ في صدورنا كما في صدورهم قلوبا . وأن في مآقينا كما في مآقيهم دموعا . وأننا نألم كما يألمون ، وأن أم السبع في الفلاة تجزع لفقدان وليدها، وليس فقط والدة جيمس فولي والتي ننتظر منها وهي في محنتها التي نعيشها معها أن تبلغ هذه الحقيقة للأمريكيين . كل البشر يتألمون . وكل الأمهات تتفرط قلوبهن على فقد أولادهن . وقد أعيتنا وسائلنا البدائية عن إيصال هذه الرسالة لمن تعنيهم ..

أوباما الذي يؤكد أن العدالة الأمريكية ستطال قتلة الصحفي الأمريكي فولي يتحدث كرئيس أمريكي . والمطلوب منه فيما نظن أن يتحدث كإنسان أولا ، وكرئيس لأكبر دولة في العالم ثانيا ، أكبر دولة تزعم أنها حاملة لمشروع الحرية والكرامة وحقوق الإنسان ..

وأوباما الذي يدير ظهره عمليا لدراما القتل المأساوي ( العصري التكنولوجي الأنيق ) يباشرها في سورية بشار الأسد وفي فلسطين نتنياهو هو الذي يشرعن القتل ويمنح القاتلين الحق في ممارسته ولكن على الطريقة الأمريكية وبالأدوات الأمريكية . هو يستنكر القتل فقط عندما يتم بالطرق البدائية الوحشية ومن الذين حرمهم أوباما وشركاه من أدواته العصرية ..

وحين يقول أوباما إن المجموعة التي نفذت الجريمة بحق الأمريكي جيميس فولي لا مكان لها في العالم في القرن الحادي والعشرين ، يقفز إلى عقولنا وقلوبنا وعلى طريقة التداعي الشرطي سؤال : وهل بشار الأسد صاحب مجزرة السارين ، وصاحب ربع مليون شهيد كلهم لهم آباء وأبناء وإخوة وأخوات مثل فولي له مكان في القرن الحادي والعشرين ؟!

استنكرنا ، حين استنكرنا قتل الصحفي جيميس فولي ، قتل الإنسان ، وأدنا حين أدنا القتل الجريمة والقاتل المجرم ، لا تهمنا كثيرا هوية المجرم ولا هوية الضحية ولا أداة القتل وطريقته ..

وهذه هي الهوة السحيقة التي تفصل موقفنا نحن أبناء أرض النبوات عن الرئيس أوباما ابن أرض المغامرين والمغامرات ..

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين