تطورات مواجهة الانقلاب الالتزام وشهوة الانتقام

لم تنته الثورة المصرية بخلع الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك 11 فبراير 2011، فقد بدأت إجراءات وأدها واسترجاع النظام القديم قبل خطاب التنحي، وذلك بتخويله سلطة إدارة البلاد للمجلس العسكري. ولك أن تسأل: كيف لشخص مثل مبارك أن يسلم للمجلس السلطة وقد تخلوا عنه؟ ثم، ولم المجلس العسكري تحديدا؟ والإجابة على السؤالين لا تحتاج لكثير عنت، فالإرادة الدولية النافذة في مصر ارتأت أن تضع السلطة في يد قوة تمتلك هي زمام أمرها، تستطيع بها أن ترد الأمور إلى نصابها، حال خرجت عن سيطرتها وبدا لها أن لا حل إلا ذلك. 

وتاريخ الثورة من يوم التنحي إلى يومنا هذا يؤيد ذلك تماما، فقد تعهد المجلس العسكري في الإعلان الدستوري الصادر بتاريخ 13 فبراير 2011 ببدء انتخابات مجلسي الشعب والشورى خلال ستة أشهر من العمل بالإعلان المذكور تمهيدا لنقل السلطة، غير أنه ماطل وسوف عمدا، حتى اضطر لتسليمها بعد سنة وستة أشهر، استجابة للضغوط الداخلية، ونزولا على الأوامر الخارجية. سلم المجلس السلطة لا على أن ينفض يده منها بل على أن ينقض عليها مرة أخرى. 

ولم يكن إسقاط مرسي عملا جديدا على القوى النافذة التي أشارت بتمرير فوزه وإعلانه رئيسا، فلها باع عريض في ذلك، إذ أسقطت عدنان مندريس وأربكان في تركيا، ومصدق في إيران، وجبهة الإنقاذ في الجزائر ومحاولاتها لإسقاط حماس أظهر من أن تذكر....وطريقها معروف وهو تأليب أكبر عدد من  الشعب، حتى يلبسوا انقلابهم ثوب الثورة، فيكتسب شرعية، وإن لم فالحل العسكري موجود دائما.  

واتباعا للكتالوج نفسه، جرت محاولات لإسقاط مرسي بالمظاهرات باءت كلها بالفشل، نتيجة لضعف الاستجابة للتظاهر على الرغم من المحاولات المستميتة لحشد الناس بخلق المشاكل ووضع العراقيل وتعطيل مصالح الدولة، وعلى الرغم من سذاجة الإخوان السياسية المفرطة. فكان على المخططين اللجوء إلى الحل العسكري مع تصويره كاستجابة لإرادة الشعب، من أجل تمريره على شعوبهم حينما يتم الاعتراف بالنظام الجديد وفقا للمخطط. 

حدث الانقلاب، ولم يتوقع المخططون خروج المظاهرات المعارضة له على النحو الذي كان، ما أربك خططهم في الاعتراف بسلطة الانقلاب. بل إنهم في سعيهم لكبت المظاهرات والحراك في الشارع المصري أعطوا الضوء الأخضر لسلطة الانقلاب بفض اعتصامي رابعة والنهضة، وأغمضوا أعينهم عن الخسائر الكبيرة في الأرواح، على اعتقاد أن هذا كفيل بإرهاب المعارضين وإجبارهم على القبول بالأمر الواقع. وهو الأمر الذي لم يحدث، وما أظنه سيحدث.

ذلك أنه طرأ على المشهد تطور جديد وخطير في آن معا، وهو أن الأمور خرجت - برأيي - عن سيطرة الإخوان كمؤسسة، وعن تخطيط التحالف الوطني لدعم الشرعية الذي انكمشت فاعليته في إدارة العمل الثوري لتفسح المجال وتخلي الساحة للشباب المصري من الإخوان ومن غيرهم، شباب تغلب عندهم شهوة الانتقام لذويهم وأصدقائهم على فضيلة الانضباط لأمر الجماعة أو توفية الوالدين حق الطاعة. ولما ذكرت تجليات كثيرة، منها إقدام الشباب على مواجهة قوات الداخلية والجيش وعلى حرق معداتهم وحصار أماكنهم، ومنها نشر صور المعتدين من القوات للقصاص منها في الوقت المناسب. 

هذا التطور النوعي في مقاومة الانقلاب لا حد لسقف تطلعاته إلا بإسقاط الانقلاب ومحاسبة المشاركين فيه، لاسيما وقد علمتنا الشهور والأيام الماضية من عمر الانقلاب أن القمع يولد مزيدا من الإصرار. وأرى أن الأمر لا يحتاج لأكثر من إشارة واضحة الدلالة من داخل المؤسسة العسكرية تدل على ارتباك أو اختلاف حاصل، حتى ينقض الشباب على ظالميه ويسترد حريته. المسالة إذن مسألة وقت، غير أن إطالة عمر الانقلاب يفضي حتما إلى الفوضى، وهذه لها تداعيات خطيرة على مصر وعلى اللاعبين الدوليين الضالعين في الانقلاب. ولهذا حديث آخر. 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين