تسييس الدعاء ونماذج من الاعتداء فيه

تسييس الدعاء شنيع، وأشنع ما يكون حين يكون في قنوت الصلاة ويتهدج الصوت به ويبالغ الإمام والخطيب بإظهار التخشّع فيه، ثم يرصفه بمفردات ترضي عنه صاحب النفوذ السلطاني أوالمالي!

ومن وجوه القبح والاعتداء فيه:

التفصيل فيه بموضع الإجمال كأن تسمّي الساسة ومناصبهم وتراتبيتهم وأنت في مقام التوجّه الخالص لله سبحانه، فتحول المنابر والمحاريب لأماكن يمجّد فيها المخلوق وهذا التوسّع قبحه من وجهين:

الوجه الأول: أنه يخشى أن يكون نفاقا يتملّق به الداعي لصاحب النفوذ المالي أو السياسي، وهو أشبه بالرشوة الملعونة، خاصة حين يستحضر الداعي سماع من يدعو له ويستطيب عطاياه بسبب ذلك، ومن دخل أبواب السلاطين ولو من هذا المدخل افتتن

الوجه الثاني: أنه يخشى على صاحبه أن يكون مشمولا بمخالفة أمره سبحانه: (وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا).

ويزداد شناعة تقديم الدعاء بديباجة تعظيم للمخلوق بين يدي الخالق.. اللهمَّ أعز سيادة الرئيس، اللهم ارحم معالي الوزير، اللهم احفظ سماحة الشيخ....

فالمطلوب فيه إظهار الافتقار إلى الله وألا نشرك في تعظيمه أحدا، بل يذكر المخلوق بصفة العبودية والتذلل، وأنا من الذين يختارون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مجردة بدون تسويد لأنها دعاء أيضا، وفي الدعاء ندعو للمخلوق بصفته المفتقرة والتكليفية لا أكثر، وهذا لا ينفي مقامه الرفيع عند مولاه، ولا أنكر على من أضاف لفظ التسويد للنبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء، فهو سيد ولد آدم ولا ريب.. وإنما نكيري على من ينكر الاقتصار على ما ورد في السنن بمقام الدعاء، فيعتبرون من لم يضف أوصاف السيادة هنا جافيا! وما هو الاتباع والاقتداء.

الشاهد أن الدعاء وهو العبادة لابد أن يعظّم تعظيم شعائر الله جميعا، فهو من تقوى القلوب.

ومن علامات عدم التعظيم لهذه الشعيرة: استسهال وضع الدعاء بقالب فكاهي على طريقة عادل إمام في مسرحية الزعيم! ولا أعتب على مثل عادل إمام ولكن على جمهوره وفيهم الطيبون الذين لا يتصورون أن مثل هذا الاستهزاء قد يحبط أعمالهم وهم لا يشعرون، وأقل منه شناعة ولكنه قبيح ذلك الدعاء الذي قرأته عن الشام والعراق وغزة واليمن، وفيه يدعو العبد مولاه دعاء مختصرا: اللهم إنني من الشام وأنت أرحم الراحمين!

مقصود العبارة ليس الافتقار لله، وإنما لفت أنظار الناس لمأساة هذه الشعوب، وهو عمل طيب في غير مقام الدعاء، لأن إدخال المفارقة المضحكة في هكذا مقام يتنافى مع التعظيم.

من صور الاعتداء بالدعاء أيضا: الدعاء باستخفاف مع سجعات متكلفة بأمور أقل ما يقال فيها سفاسف.. وهذا يدخل في السخرية أيضا..

صور الاعتداء والاستهزاء كثيرة، وأوقع ما تكون حين تقتحم علينا خلواتنا مع الله في بيوت الله وفي أجلّ العبادات، فتسرق منا إخلاص قلوبنا وجمعيتنا مع الله وتبعثرنا في مشاعر متتاقضة تحول بيننا وبين الخشوع والاعتكاف والصفاء والسكينة التي أتينا لتروية قلوبنا منها. والله المستعان.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين