تراجم الأمم الأخرى

د. محمد بن موسى الشريف
 
في أمم الأرض الكافرة رجال ونساء اجتهدوا وبذلوا وأعطوا من أجل ضبط دنياهم، وإعمار بلادهم، والسبق في مضمار التنافس الكبير العالمي، وفي تراجم بعض هؤلاء ما يمكن الاستفادة منه من قوة العزيمة، وطول النَّفَس، ووَصْل الليل بالنهار من أجل الوصول للهدف، والهمة العالية، واستسهال الصعاب، لكن لابد من ضبط إيراد بعض تراجمهم على النحو التالي:
 
أولاً: عدم الانبهار المؤدي إلى نسيان ما في تلك التراجم من جوانب الخلل العقدي، وذلك بكفر أصحابها وضلالهم، والخلل الفكري، وتهافت تصوراتهم، وفساد أخلاق كثير منهم، وسوء سلوكهم وإلحاد الأكثرية الكاثرة منهم، ولا ننسى أبداً قول الله تعالى فيهم: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ"12"} (محمد)، وقوله تعالى: { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا"44"}(الفرقان).
 
ثانياً: عدم التوسع في إيراد هذه التراجم، بل يؤخذ منها بالقدر الذي يفيد المطلعين عليها من المسلمين، إذ التوسع قد يكون مؤدياً إلى الانبهار الذي أشرت إليه آنفاً، ثم إن الأوقات لا تحتمل تلك الإطالات. ثالثاً: عدم نسيان مواقف وآراء كثير من أصحاب تلك التراجم في الإسلام والمسلمين، فالكثير جداً منهم يكرهون الإسلام والمسلمين ويتعصبون ضدهم، فإذا وُجد في واحد من هؤلاء تعصب وكراهية لنا فلا نورد ترجمته ولا نكترث بها، ولا كرامة، وإذا أوردناها على مسامع شبابنا لفائدة لا تضيع فلابد من قَرْنها بمواقف أولئك وآرائهم حتى لا يحصل اللبس والخلط. تلك مزايا تراجم أهل الإسلام، فما أسوأَ حال مَن عرف كل شيء تقريباً عن تراجم أهل الضلال وترك التراجم الرائعة الإسلامية فلم يلتفت إليها، وظل طوال حياته يركض خلف ترجمة فلان الأوروبي وآخر الأمريكي، وثالث برازيلي وكولومبي وأرجنتيني، فما أخسَر صفقتَه، وما أشدَّ حسرته، وما أبعدَ صنيعَه عن الرشد، وإليكم ما قاله أ. د. محمود محمد الطناحي - يرحمه الله تعالى - في بعض أولئك المفتونين بتراجم الضالين والمعرضين عن تراجم أمتنا الرائعة:
 
«قد جمعني مع واحد منهم لقاء، وكان قد وقع في أسر الفئة الباغية، الذين خدعوه عن تراثه وأفسدوا ذوقه، فسألته عن «إليوت» والأرض الخراب والرجالَ الجُوف وكان شديد اللهَج به وبهما فقال: لم يعد معي شيء من ذلك، ثم أَنّ أَنّةً حَسْرى، وقال ولم يملك سوابق عَبْرة: حسبنا الله ونعم الوكيل». والحديث عن «إليوت» وشغف القوم به يفضي إلى الحديث عن كائنة أخرى؛ وهي إفراط معلمي الأدب في دراسة الأجناس الأدبية الغربية، ودراسة الشعراء والأدباء الذين كتبوا بغير اللسان العربي، وهو جهد ضائع مهدر، استفرغ فيه أدباؤنا وسعهم وطاقتهم فيما لا يجدي نفعاً لا في أدبنا ولا في أدب الغرب، ولا يذهبن بك الوهمُ فتظن أن إنجليزياً يلتمس تعريفاً بـ«شكسبير» أو تحليلاً لأدبه عند كاتب عربي استهلك وقته وعمره في دراسته، يقول أ. محمود محمد شاكر: «أرأيت قط رجلاً واحداً من غير الإنجليز أو الألمان مثلاً - مهما بلغ من العلم والمعرفة - كان مسموع الكلمة في آداب اللغة الإنجليزية وخصائص لغتها، وفي تاريخ الأمة الإنجليزية، وفي حياة المجتمع الإنجليزي يدين له علماء الإنجليز بالطاعة والتسليم؟!»، نعم شُغلنا بأدب الغرب وفكر الغرب شغلاً تاماً حجزنا عن النظر في موروثنا الضخم الذي أبدعته وحملته أجيال وفيّة على امتداد أربعة عشر قرناً من الزمان، فكان حالنا فرق بين الشطرين ذلك كالذي قاله العُديل بن الفَرْخ العِجليّ: كمرضعةٍ أولادَ أخرى وضيعت بني بطنِها هذا الضلال عن القصد والقصد: هو الطريق المستقيم.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
 
المصدر : مجلة المجتمع.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين