تأملات في قصة ابني آدم (2)

صراع الإنسان مع أخيه الإنسان في ضوء القرآن 

 

(لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ? إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ? وَذَ?لِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) [سورة المائدة28 : 29].

 

تقبل الله قربان من اتقى وكان قلبه صالحا، وتفرق الأخوان، ولكن على وعيد المشؤوم من الأخ لأخيه (لأقتلنك).

 

كان رد الأخ المؤمن : في حال جرأة يدك علي بطشا يوصل للقتل، فإن يدي لن تفعل ما تفعله يدك، ذلك أن قلبا صالحا في جوفي يأبى أن يأمر جوارحي بالظلم والطغيان. 

 

موقف الأخ المؤمن يعود بذاكرتي لما علمنا نبينا عليه الصلاة والسلام إياه عن أثر صلاح القلب حين قال: 

 

أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ "

 

ما الذي أصلح قلبه، فجعله يجانب الجريمة، ويبتعد عن أسبابها؟ إنه الخوف من الله، ولطالما أصلح خوف الله قلوبا لو بقيت على فسادها لهلكت وأهلكت.  

 

من أراد أن يعرف أثر عدم الخوف من الله، فلينظر الإجرام الذي يرتكبه مجرمو الحرب، ومن يلقون براميل الموت على الأبرياء. 

 

ولطالما دار في خلدي تساؤل - لا أظن أحدا لم يسأله بينه وبين نفسه وهو يتأمل في هذه الآية: 

 

لمَ لم يدفع المقتول القتل عن نفسه مع أن ذلك واجبا، وإن لم يكن واجبا فعلى الأقل ليس بحرام؟ 

 

وبعد بحث وجدت أنه لما لاح للمقتول أمارات غلبة الظن أنه مقتول، قال ذلك على سبيل الوعظ والنصيحة، أي لا يجوز لي بدؤك بالقتل ظلما لخوفي من الله الذي توعد القاتل بالعذاب، والغاية تقبيح القتل ليردع القاتل عما همه في نفسه. 

 

ويحمتل أنه أراد القول أنه من حقي الدفاع عن نفسي لكن لا أبسط يدي بقصد القتل وإنما للدفع. 

 

ويالبلاغة وجمال العربية حينما تكون في النسق القرآني، فإنك تجدها تفيض بمعان لا يمكن لأي لغة أن تحقق ذلك التعبيير. 

 

هنا في هذه الآية جاء بالشرط بصيغة الفعل فقال( لئن بسطت)، بينما جواب الشرط جاء جملة اسمية ترتكز على اسم  الفاعل (باسط)، معلوم لدينا أن اسم الفاعل يعرف في النحو:  أنه الوصف الدال على الفاعل، وجعل الجواب معتمدا على اسم الفاعل لما فيه من إشارة إلى أنه لا يفعل فعلا يكسبه وصفا شنيعا، لذلك كان التأكيد للنفي ذلك بمصاحبة الباء لاسم الفاعل فقال:  ( ما أنا بباسط).

 

والسؤال الذي حيرني وجعلني أغوص في أعماق الآية: 

كيف يقول :(أني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك)، وتمنِّي وقوع المسلم في المعصية أو الحرام و دخول النار لا يجوز؟! فكيف إذا كان هذا المسلم أخًا شقيقًا كما هو الحال هنا؟

وبعد بحث وتأمل وتدبر، وجدتني أبصر ذلك البعد العجيب في النسق القرآني، حيث يشير إلى أن ذلك الجرم المفضي للهلاك المحتم، بكونه آثما على فاعله، إن كان لا محالة واقعًا، فأريد أن يكون لك لا لي. 

وهذا المعنى لا إشكال فيه، لأنه ليس ملزما أن يدخل في صراع يوصله للنار، ومادام الآخر مصرا على استفزازه، ففي هذه الحال سيضطر لأن يختار الحال التي يأثم فيها المستفِز المريد للقتل بدلا من أن ينجر وراء الاستفزاز ويقع هو بالمحظور. 

لقد جمع البيان القرآني بين بيان عاقبة القتل، وبين طهارة قلب هابيل الذي أصر ألا ينساق نحو معصية الله حينما قال (إني أخاف الله رب العالمين)، لأن عاقبة القتل مخيفة، وفيها توعد عظيم من الله ربط منع نفسه من هذا الجرم بالخوف من الله. 

 

ذلك جزاء الظالمين .. وهل هناك ظلم بعد الشرك أشد من القتل ؟

 

انتهى الحوار، وانتهت النصائح، وأعمى الحسد قلب القاتل، ويوما بعد يوم تزول العقبات النفسية التي ولدت مع الفطرة لتمنع الجريمة، وهي ما تسمى بالنفس اللوامة، ولكن ساعة تغلب الأمارة بالسوء ولات ساعة مندم. 

 

على حين غفلة…  وفي ساعة عجز المظلوم أن يبصر ما يكيد له الظالم .. وقعت الجريمة .. ومنذ ذلك اليوم والبشرية تنزف…

 

لنتابع كيف صور القرآن الكريم الحدث؟

وإلى أي مصير انتهت القصة .. هذا ما سنعرفه في مقالنا القادم بإذن الله .. 

فابقوا معنا… 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين