تأملات في سورة يوسف -9-

 

      

الحيل وسيلة تنفيذة المؤامرة

 

(قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى? يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ) [سورة يوسف : 11]

 

أشرقت شمس الصباح، وبان ما دبر بليل عن مخطط خطير سيفرق بين الأحبة، ويفتح نهرا من الدموع، وآلاما من الحزن.

 

يدخل الإخوة الذين بيتوا مكرا لأخيهم، على أبيهم بلسان الناصحين، وبثوب الحب والأمان.

 

لا يمكن للمؤمرات أن تنفذ بغير الحيل، ولهذا لجؤوا للحيل، ولبسوا ثوبا ليس ثوبهم، وتكلموا بغير ما في قلوبهم.

 

عجبا لبيان القرآن! 

إنه ليس مجرد كلمات تعبر عن مراد قائلها، بل كلمات يفهم سامعها منها البنية النفسية للقائل حين قال، وتوحي بخواطره التي دارت في خلده، وهو أسلوب لا يقدر عليه بشر.

 

هاهم يحاولون اقتحام أسوار قلب أبيهم، وأضعف أبواب قلب الأب نداء الأبوة فاسمع ما يقولون:

 

يا أبانا :

 

نداء منحهم مفتاح قلب أبيهم، فلا تجد كلمة ألذ وأطيب لقلب الأب من نداء الابن لأبيه بلفظ يا أبي.

 

ولكن أي قلب يملكه الابن الذي يلتذ بقهر أبيه ؟! أو تجده عاقا لأبيه؟!.

 

لطالما حلم الأب أصلا بهذه الكلمة أن يسمعها من بنيه.

 

ومرة أخرى يلجأون للحيل: 

مالك لا تأمنا: 

 

أسلوب بياني قرآني آخر، مدهش!  معجز!  يأخذ بالألباب.

 

يصف كيف عمدوا لحيلة أخرى، ارتكزت على فرض أمر لا يقصده الأب، ليسعى تلقائيا بنفيه ويسلمهم يوسف كإثبات لعدم وجود هذا الافتراض.

 

وهو الذي يخاف عليه من حر الشمس، وتعب العمل الذي يمارسه الإخوة، ولم يكن منعه عن صحبتهم بدافع عدم استئمانهم على أخيهم.

 

وفي حيلتهم هذه دروس منها:

 

* أن الأمان والثقة هما مقتل المرء وحياته، فمن نال ثقة إنسان ملك قلبه وشاركه بكل شيء. 

فإما أن يكون الذي منحته الثقة كما اعتقدت فتسعد به، أو يكون مخادعا فلات حين مندم.

 

*هناك من لا أمان لهم ولا يوجد في قلبهم مكان له، حينما يجعلونك تطمئن لهم وتأمن جانبهم، ولكن ويل لك من ألم طعنهم ونزيف المشاعر حينما تكون السكين بيد من أعطيته الثقة والأمان.

 

* ليس كل من يدعي الثقة فهو ثقة، ولا كل من يلبس لباس الناصحين ناصح.

 

* يا للخطر العظيم الذي يحصل للناس حينما يلبس أهل الشر لباس التقوى والصلاح.

 

* ما أعظم أن يخدعك من كنت تظنه مقربا، بلباس يمنحك الأمان ظاهره، ثم ما يلبث يرسلك لجب عميق من التعب والقلق، ولعلك لا ترجو حينها سيارة ينقذونك.

 

* ولطالما كنت أقول: 

حينما يسيء فهمك من هم في قلبك، فاعلم أن لغات العالم باتت عقيمة عن أن تلد المعاني.

 

* وأكثر منه عجبا وألما حينما يطعنك بسكين النصح والظهور بمظهر الخائف على مصلحتك، وفي داخله مخطط خبيث ربما لو نفذه لجعلك بعيدا عمن تحب، ولجعلك في غياهب الألم والتعب.

 

* سبحانك يارب:

يكاد المريب يقول خذوني.

 

إن إصرارهم على أبيهم بشتى الحيل والتي آخرها ادعاء النصح، يكاد يفضح خبيئة ما خططوا له قبلا.

 

وهكذا شأن الذين يزكون أنفسهم:

بمقدار علمهم بخبث نفوسهم يكون سعيهم لتزكيتها.

 

وإلا فالتزكية يفرضها حسن العمل وصدق النية على الآخرين أن يقروا بها لا أن يدّعيها المرء لنفسه.

 

ترى ما هي الحاجة التي يريدون يوسف لأجلها والتي إن ذكروها لأبيهم سمح لهم بيوسف دون تردد؟!

 

هذا ما سوف نعلمه في المنشور القادم بإذن الله فابقوا معنا.

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين