تأملات في سورة يوسف -3-

 

 

(رواية حلم ونذير خطر)

 

(قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا  إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [سورة يوسف : 5]

 

من نافذة الحنان أبصرت ثمرة يانعة، مذاقها المودة، وريحها البر والصلة.

 

ما أطيب ثمرة بر الابن وحنان الأب إذا امتزجا!  إن ذاك التمازج يعزز ترابطا أسريا ينعكس ظله على تلاحم وتواصل المجتمع بأسره.

 

إن الأب الذي تلقّى كلمات الود والاحترام والبر من ولده، يخاطب ذلك الابن بذات الأسلوب العاطفي السامي: ( يابني).

 

يا لعجيب هذه الآيات، كيف ترسم لنا معالم النجاح بأسلوب أخَّاذ، يجعل الأمل يأخذ بيد الحلم ليحوله مع الثبات والإصرار إلى حقيقة تعانق عالم الشهادة، بعد أن كان في رحم الغيب .

 

نحن نحلم بوطن حر كريم، وآخرون يسخرون من أحلامنا، وآخرون يتربصون بها، ولكن الأيام ستثبت لهم أن أحلامنا لم تكن أضغاثا لا واقع لها.

 

بحنان الأبوة الحرَّى، وبلوعة أب أبصر من الخطر المحدق بولده بعض خيوطه، يتوجه يعقوب الأب، بالنصح لولده، أن يخفي رؤياه عن إخوته، فلا ينبغي أن نحدث أيا كان بتلك الأحلام، فلطالما أوقف الحسد تحققها!!!

 

الرؤى قصص وليست مقالا أووخاطرة، إذ أنه في لحظة نوم يسجل العقل أحداثا تحتاج لكتاب لتدوين تفاصيلها، فليس أدق من وصفها بالقصص في قوله: ( لا تقصص رؤياك).

 

إن كانت الآية التي قبلها ترمز للأخوة بالكواكب، وتشير كما قلت إلى قداسة تلك الرابطة  فما بال الآية هنا تحذر من كيدهم؟!!

 

الجواب يسطره آخر كلام يعقوب عليه السلام:  "إن الشيطان للإنسان عدو مبين".

 

إن من أخرج أبا البشرية من الجنة، لا يصعب عليه تأليب الأخوة على أخيهم، فالخوف ليس منهم بل من شيطان قد يغلبهم بوسوسته فيفعلون ما لا تحمد عقباه.

وهنا أجدني أمام سؤال يفتح آفاق التامل أمامي:

من يقص رؤياه على أحد ألا ينتظر عادة منه تأويلها؟

أليس يعقوب عليه السلام نبيا فلم لم يؤل رؤيا ولده؟!

 

ذلك أن حكمة الله اقتضت أن يغيب عن يعقوب تأويل تلك الرؤيا، لكي تمضي سنة الله في أن يكون في خبر يوسف وإخوته العبرة والعظة.

 

وليكون يعقوب نفسه أحد رموزها، ولو علمها لما أدركنا الدروس من فراق يعقوب ليوسف، ولا عرفنا كيف نثق بالله، وغيرها من العبر التي أجراها الله على نبيه يعقوب وهو لا يعلم.

 

ولكنه في الوقت ذاته كان يستشعر بأن لابنه شأناً عظيماً.

 

فقد أراد بالنصح له بعدم الإخبار لإخوته، أن يعطينا درسنا عظيما، بأن الناجحين لا يخبرون أحدا بأحلامهم كي لا يغتالها الحاسدون قبل تحققها.

 

أما آن لنا أن ندرك أهمية الكتمان في مسيرة النجاح؟!

 

إن البيانات التي يصدرها الثوار اليوم قبل بدء المعارك، هي كمن يبيع الدب قبل صيده، بينما في المعارك التي لها سياسة المباغته للعدو، هي الناجحة.

 

الآية بإيجاز تحوي درسا مفاده:

 

اخف أحلامك وامض في تحقيقها، فالحديث عنها قبل القدرة عليها يجعلها عرضة للموت قبل النمو.

 

وتستمر الآيات لتفتح الآفاق أمام تأملاتنا، لتحكي ما أنعم الله به على يوسف وآل يعقوب، في أسلوب تصويري للقصة مبهر معجز.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين