تأملات في سورة يوسف (15)

من عمق المحن تولد المنح

 

(وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى? دَلْوَهُ ? قَالَ يَا بُشْرَى? هَ?ذَا غُلَامٌ ? وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً ? وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ * وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [سورة يوسف 19 - 20]

 

حينما تغيب معاني الإنسانية في قلوب البشر فلا عجب حينها من صنيع إخوة كبار بأخيهم الطفل الصغير، حيث أسلموه لظلمات الجب ووحشته رغبة في التخلص منه.

 

عجباً لهم كيف شعروا أن الطفولة البريئة تنافس دنياهم التي يتنازعون عليها.

 

ولكن أين الله من ذلك ؟ 

سؤال يتوارد على الذهن حينما يشتد سيف الظلم على المظلوم.

 

الإجابة كانت في وعد الله ليوسف وهو في ظلمات الجب، وما ألطفه من وعد .. وما أعظمه من أنيس .. ((… وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَ?ذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ)

ففرج الله مبهر ومبهج حينما يقع.

 

بدأت مراحل تنفيذ وعد الله ليوسف .. 

إن الله حينما يريد أمرا فكيد العالمين مجتمعا لا يرد إرادته ..

ولذلك بعد إحكام الجريمة من وجهة نظر المجرم كانت بداية الفرج.

 

قافلة تمر من مكان يضم طفلاً موعوداً بالمجد وهو لا يدري…

 

يسيِّرُ الله تلك القافلة لتشرب في مكان لا جدوى من البحث فيه عن بئر غير بئر يوسف ..

 

نزل الساقي ..

ماذا وجد ؟!

 

وجد جمالاً يتلألأ .. 

وجد طفولة تبكي نزيف الإنسانية… 

وجد ضعفاً لا يدري أن قوة السماء تسانده..

 

صرخ الساقي :

يا بشرى… 

لاعجب من صيحات الساقي .. فماذا نتوقع أن يكون موقف من يعثر على كنز ثمين؟! ..

وأي كنز عثر عليه ساقي القوم ؟!

 

لقد عثر على النبوة في مهدها .. والخير في طفولته.

 

هذا غلام .. 

وهل يدري أي غلام يحمل؟!

 

ذلك يبين لنا أن في راحلتنا أناسا يهيئهم الله لما لا يعلم أحد من العالمين… 

فكم من شخص زهد فيه أهله قبل غيرهم فإذا به ذات يوم قائداً لأمة.

 

ولكن ماذا تصنع للجهل حينما لا يفكر صاحبه بأن قيمة الشيء لا تقدر بغير المال؟

 

لقد أسرُّوه بضاعة، وحزموا أمر بيعه ..

 

يا عجباً للإنسان كيف يبيع أخاه الإنسان لأخيه الإنسان!

 

صرختك يا عمر ستبقى تدوي في العالمين وتزعج آذان الطغاة : "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً".

 

وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ..

 

تلك الدنيا مهما عظمت في عين أهلها تبقى لاشيء بمنظور خالقها، ولو كانت تساوي عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء.

 

وكانوا فيه من الزاهدين :

ليتهم يعلمون أي نسمة 

مباركة حملوا ..

بل ليتهم يدركون أي عذاب عانت منه الطفولة حينما تشيطنت قلوب الإخوة.

 

لا عجب فالدم النازف في شامنا الحبيبة يحكي أساطير عن فظائع إجرام مجرم هز عرشه أطفالٌ فجروا ثورة.

 

ولكن السؤال الذي نتشوق لمعرفة الإجابة عليه: 

من الذي اشترى تلك الغرسة المبشرة من محياها بخير عظيم؟

وكيف يبدأ طريق المجد ؟

 

تابعوا معنا

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين