تأملات في سورة يوسف (14)

 

 

البرهان الكاذب

 

(وَجَاءُوا عَلَى? قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ ? قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا ? فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ? وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى? مَا تَصِفُونَ)[سورة يوسف 18]

هل تخيلتم يوما أن يكذِّب البرهان صاحبه؟!

وهل يكون برهانا أصلا إن لم يكن صادقا مقنعا؟!

 

تجد الإجابة في هذا المشهد من قصة يوسف عليه السلام. 

ففي خضم محاولات يائسة لجعل الباطل حقا، وإلباسه ثوب الحقيقة يجد الإخوة - الذين جاؤوا أباهم عشاء يخفون ملامح الوجه التي ستفضحهم لو قابلوه نهارا، ويبكون بكاء يظنون أنه كاف لإخفاء حقيقة مكر وكيد فعلوه، فساق أخاهم لمصير مجهول، إنهم أمام صدمة كادت تكشف سوء صنيعهم وسريرتهم.

 

فالبكاء لم ينفع ولم يقنع الأب .. فليس كل من يبكي حزينا ..

وليس كل دمع يدل على ألم فراق الحبيب، فهناك من يطعنونك ويبكون عليك بكاء المتألم لفراق حبيبه.

 

أولم يقولوا في الأمثال: " قتل القتيل ومشى في جنازته "!

 

وعلى الرغم من ذلك فلا بد من البرهان المادي ليدعم موقفهم ..

 

ولكن برهانهم فضحهم !

 

فيا لروعة تصوير البيان القرآني، كيف يحكي لنا حقيقة ما أحوجنا لإدراكها، مفادها:

 

سيبقى الباطل باطلا .. وسيبقى وجهه مسودا .. مهما حاول تجميل ذاته بما يظنه حججا كفيلة لقلب الموازين.

 

ولذلك كان البيان القرآني  بقوله تعالى:  "بدم كذب ".

 

شتان بين دم سال من هجوم وحش ضارٍ هذا طبعه في الخلقة ..

وبين دم سال بسبب قتل إنسان تلبسته وحشية تفوق وحشية من خُلق وحشا يعيش في البراري.

 

فذاك إن فتك وقتل فهو طبعه، وخِلقته ..

 

وأما الإنسان الذي أوحي إليه بشرع يهديه ويهذب طبعه، ومع ذلك تجاهله وسلم نفسه  للهوى والغرائز، فذاك أشد فتكا من الوحش ذاته.

 

ولكن من ترك ميدان التهذيب بعلوم الوحي فماذا أنت فاعل له ؟!

 

فشل برهانهم ..

وأجابهم أبوهم بما يؤكد تلك الحقيقة الربانية .. الباطل لا يكون حقا أبدا .. والبراهين جنود الله تعالى لا تناصر غير الحق، فإن أرغمها دعاة الباطل لتقف معهم فضحتهم.

 

انظروا لأصحاب العمائم كيف فضحتهم براهينهم الكاذبة حينما تجنوا على النصوص ليلووا أعناقها، ويجعلوها تشهد على إفكهم، فأبت النصوص الوقوف معهم .

 

هذا ما لخصه ربنا حكاية عن يعقوب عليه السلام

 

بل سولت لكم أنفسكم أمرا ..

 

ويختم البيان الرباني ذلك السجال بين ثلة ارتكبت جريمة بحق الأخوة والإنسانية، وبين أب أجبره أبناؤه أن يتجرع مرارة فقد الولد الحبيب، في زمن كبر سنه، وضعف جسده، فزادوه تعبا، بدل السعي لتخفيف معاناته.

 

في غيابة الجب تسكن الطفولة البريئة المظلومة، وتستغيث ضمائر ماتت، بل لم تشفع لدى قلوبها براءة تلك الطفولة ..

 

الإجرام لا تشفع عنده براءة طفولة، ولا ضعف امرأة، ولا كبر شيخ…

 

ومن شاء التعرف على الإجرام على أصوله فدونكم الشام وبراميل الموت الأسدي كيف تفتك بالأبرياء، ولكن الله غالب على أمره.

 

يوسف في الجب وفصل جديد يؤذن ببداية طريق طويل من المعاناة…

 

تابعوا معنا مراحل حياة يوسف في سلسلة تأملات خطها قلم 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين