تأملات في سورة يوسف عليه السلام (1):

 

 ( كتاب لا تنقضي عجائبه)

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الر  تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ) (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ) [سورة يوسف 1: 3]

 

في أيامنا هذه التي تعصف بها المحن على أمتنا الإسلامية، حتى من هولها يكاد الحليم يكون حيرانا، يتلمس طريق النجاة ..

 

كانت العودة للكتاب الخالد، والتدبر في معانية، ومقاصده، حبل النجاة الذي لا ينقطع ما امتد الدهر، أو اشدت الصعاب ..

 

بجهد المقل، وبتأمل في القرآن الكريم، تلمست بعض الدروس والعبر من قصص أنبياء الله تعالى، سادة وقدوة البشر.

 

كانت سورة يوسف عليه السلام محط النظر، ومداد الفكر بما سيخطه القلم.

 

طالعت مطلع تلك السورة العجيبة، وتأملت في نسقها، وتناغم معانيها…  فكان العجب !

 

يا لها من آيات لذلك الكتاب المبين!

كتاب لا غموض فيه، رسالته واضحة، لا حاجة ليخفي منهجه، فهو يحمل الحق والعدل ورفعة البشرية.

 

إنه ليس ككتب البشر التي تسطر كلماتها في أقبية الظلام، لتهلك الحرث والنسل، ولكنه بيِّن واضح لكل من يهوى معرفة الحقيقة.

 

ويا لعجيب أمة نزل بلغتها كلام ربها! ثم بعد ذلك يهجرون تلك اللغة، التي هي مفتاح الدخول لعالم القرآن الذي رسم بها ما يسعدهم، ويرشدهم لطرق السيادة والقيادة والسعادة.

 

ليتهم عقلوا أن القرآن هو الذي عزهم، وليتهم جعلوه منهجهم ودستورهم.

 

ليتهم يدركون أن الله اصطفاهم بكتابه، ورفعهم بالذود عن حياضه، فلما باعوا عقولهم لزخرف الغرب وبهرجه صاروا لغيرهم أذلة.

 

كتاب الله فيه أحسن قصص، وأبدع بيان، وأصدق قول، وأفصح لسان.

 

لم تكن الأمة قبله موجودة، بل لا تملك مقومات الوجود، وأنى لها ذلك وأساس البناء للحضارات وهو العلم مفقود ؟

 

فلما جاءهم الكتاب، وحفظه الأصحاب، وانطلقوا به للآفاق صاروا أمة، وبنوا مجدا وحضارة.

 

حقا .. كتاب فيه أحسن القصص وأعظم العبر، فهو وحي من الله، وقد كنا قبله في غفلة وضلال مبين، وعدنا لها لما جعلنا وراء ظهورنا واشتريناربه ثمنا قليلا .

 

لخصت هذه الآيات التي كانت بمثابة تمهيد بين يدي السورة فحوى السورة كلها. 

لخصته بإيجاز وإعجاز عجيبين، فكل السورة واضحة المعالم، فهي سورة من كتاب مبين، رسمت حروفه بإعجاز منقطع النظير، وهي من أحسن القصص، وهي دروس لأمة تريد العيش بحرية وكرامة، وتخرج من ظلام أزماتها إلى أنوار المعرفة واليقين.

 

ومع ختام هذه المقدمة القرآنية لسورة تحكي ملحمة إنسانية، تبدأ الآيات التالية لترفع الستارة الأولى لبداية رحلة يوسف التي تبدأ بحلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين