تأْبَى لَهُ ذَلِكَ بَنَاتُ أَلْبُبِي‏

مثلٌ عربي جميل، يعبر عن مدى الحب والحنان والرحمة والرأفة التي وضعها رب العالمين في قلب الأم لولدها، والأب لابنه، وذوي الأرحام لأحبائهم. 

وقد ذكر الميداني في مجمع الأمثال قصة طريفة لهذا المثل، فقال:

"قالوا‏:‏ أصل هذا أن رجلا تزوج امرأة وله أُمّ كبيرة، فقالت المرأة للزوج‏:‏ لا أنا ولا أنت حتى تُخْرِجَ هذه العجوز عنا، فلما أكثَرَتْ عليه احتملها على عُنقه ليلا، ثم أتى بها واديًا كثير السباع فرمى بها فيه‏.‏ ثم تنكر لها، فمرَّ بها وهي تبكي، فقال‏:‏ ما يبكيك يا عجوز؟‏ قالت‏:‏ طرحَني ابني ههنا وذهب، وأنا أخاف أن يفترسه الأسد، فقال لها‏:‏ تبكين له وقد فعل بك ما فعل؟‏ هلّا تدعين عليه، قالت‏:‏ *تأبى له ذلك بَنَاتُ ألْبُبي*.‏

وأتبع الميداني مُردفًا: 

قالوا‏:‏ *بناتُ ألْبُب: عُرُوقٌ في القلب تكون منها الرِّقَّة*، قال الكُمَيْت‏:‏

إليكم ذوي آلِ النَّبِيِّ تطَلَّعْت=نَوَازُع من قلبي ظماءٌ وألْببُ

والقياس ألُبٌّ، فأظهر التضعيف ضرورة‏".

*أقول*: اللُّبّ في اللغة خالص كل شيء، ومن المجاز: لُبّ الرجل: ما جُعل في قلبه من العقل؛ سمّي به لأنه خلاصة الإنسان، وهو أخص من العقل، وجمعه: ألباب، وأَلُبّ - كما جاء في تاج العروس- وهو قليل. قال أبو طالب:

*قلبي إليه مُشرِف الألبّ*

وقال الجوهري: وربما أظهروا التضعيف في ضرورة الشعر، وذكَر بيت الكميت السابق.

وبالعودة إلى المثل *أقول*: أعتقد أن المثل شطر من بيت شعري على بحر الرجز، وأصله:

{ *تأبى له ذاك بنات ألبُبي*} 

وللضرورة الشعرية فكّ الراجز الإدغام؛ وساقني إلى هذا الاعتقاد أمران: الأول أن عددًا كبيرا من الأمثال العربية أصلها جزء أو شطر من بيت. والثاني: أن الأمثال لا تعد سببًا للضرورة، إذ يمكن أن نقول بيسر: "تأبى له ذلك بنات ألُبِّي".

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين