أسئلة بيانية (18) بين قوله تعالى: (يقولون بأفواههم)، و (يقولون بألسنتهم)

قال تعالى في سورة آل عمران: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 167]، وقال سبحانه في سورة الفتح: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [الفتح: 11].

سؤال:

لماذا قال تعالى في آية سورة عمران: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ، وقال في سورة الفتح: ﴿يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ؟.

الجواب:

إن الأفواه أعمّ وأشمل من الألسنة، فإنَّ اللسان جزء من الفم، والمناسب أنه إذا كان القول كبيراً عظيماً ذُكرت الأفواه، وإذا كان أقل ذُكرت الألسنة مناسبة لكل حالة.

وعلى هذا فقوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ، يدل على أنَّ القول أعظم وأكبر، والأمر كذلك.

فإن السياق في آل عمران إنما هو في المتخلِّفين عن القتال في أُحد، فقد دُعوا إلى القتال أو الدفع عن المدينة فامتنعوا قائلين: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ [آل عمران: 167] قال تعالى:﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ * الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [آل عمران: 167-168].

ومما قيل في معنى قوله: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ، إننا لا نُحسن القتال، ولو كُنا نحسن القتال لاتبعناكم.

وأما المذكورون في سورة الفتح فهم المتخلفون عن عُمرة الحُديبية فهم لم يذهبوا إلى العُمرة مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مُعتلِّين بالشُّغل، قال تعالى: ﴿سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا﴾ [الفتح: 11].

ومن النظر في السياقين يتبيَّن ما يأتي:

1 – أنَّ الموقف في آية سورة آل عمران إنما هو في قتال المشركين الذين جاؤوا إلى المدينة.

وأما الموقف في آية سورة الفتح فهو في الذهاب إلى العمرة، وليس إلى قتال، فالموقف في أُحد أشد والخطر أظهر.

2 – أنَّ القول في آيات سورة آل عمران أعظم وأكبر مما في سورة الفتح فإنهم قالوا: ﴿لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ﴾ [آل عمران: 167]، فهم كانوا مُصرين على عدم المشاركة في القتال، راضين بقعودهم، ولم يكتفوا بذلك بل كانوا يخذّلون غيرهم ويُزينون لهم القعود، فقد قال عنهم سبحانه إنهم قالوا لإخوانهم: ﴿لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا﴾ فهم لم يندموا بل كانوا يرون ذلك من بُعد النظر.

وأما المُخلَّفون الذين ذُكروا في سورة الفتح فإنهم قالوا: ﴿شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا﴾ [الفتح: 11].

فاعتذروا عن عدم الذهاب إلى العُمرة بالشغل، وأنهم طلبوا الاستغفار من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فهم أظهروا للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنَّهم مُقصِّرون وأنهم مذنبون فطلبوا الاستغفار وأنه كان لهم عذر.

ولم يظهر الأولون ذلك بل كانوا راضين بما فعلوا مُخذلين لغيرهم غير نادمين ولا طالبين لمغفرة.

فقول أصحاب أُحد أكبر وأعظم وموقفهم أخطر وأكبر، فناسب أن يُذكر فيهما ما هو أكبر وهو الأفواه، وناسب ذكر الألسنة في آية الفتح.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين