بينَ العَدوّ والعَدوّ الأخطَر

 

   رُبما يستطيعُ كلُّ أحدٍ أن يُفَرّقَ بين الخَير والشرّ ولكن عند تعارُضِ خيرَينِ أو شرَّينِ فيما بينَهما فإنَّ العالِمَ الفقيهَ هو الأقدَرُ على تمييزِ خيرِ الخيرَينِ وشرِّ الشرَّين.
وثمرةُ هذا التمييزِ هي تحصيلُ الخيرِ الأعظَمِ ولو بفَواتِ الأدنى، ودفعُ الشرّ الأعظمِ ولو بوقوعِ الأدنى، فثمَّ المصلحةُ وثمَّ شرعُ الله. 
فمَن اشتغلَ بنافلةٍ عن فريضةٍ فقد خالفَ شرعَ اللهِ وحكمَه، ولا يشفعُ له أنَّ فِعلَ النوافلِ من القُرُبات في شرع الله. 
وقُلْ مثلَ ذلك فيمَن انشَغلَ بالواجبِ عمَّا هو أوجَبُ منه!! 
فطاعتُهُ بامتثالِ الواجبِ الأدنى انقلَبَتْ إلى معصيةٍ لأنَّهُ ضيَّعَ به الواجبَ الأعلى!! 
وحسبُكَ ما فعَلَه جُرَيجٌ العابدُ الذي شغَلَهُ التنفُّلُ بالصلاةِ عن إجابَةِ دعوةِ أمّه. 
وحالُ مَن لم يُدركْ فقهَ الأولَويّاتِ ولا يعلمُ مراتبَ المصالحِ والمفاسدِ كحالِ طبيبٍ أَدخَلوا عليه في غُرفةِ الطوارئ جريحينِ ينزِفان، أحدُهما جرحُهُ بسكينٍ في أصبَعِهِ، والثاني أُصيبَ بعيارٍ ناريٍّ في صدرِهِ، فترَكَ الثانيَ وانشَغَلَ بتضميدِ الأوَّل!! 
إنَّ مما يقتضيه فقهُ الأولَويات في السياسةِ الشرعية، أنَّك إذا كانَ لك عَدوَّانِ مُتَفاوِتانِ في الشرّ والعَداوةِ والفسادِ أن تستجمِعَ قُواكَ في دفعِ الأخطَرِ منهُما وتتَحمَّلَ ضرَرَ الأدنى فثَمَّ المصلحةُ وثَمَّ شرعُ الله. 
اللفتَةُ المهمَّةُ هنا أنَّ أعظمَ الناسِ حرصًا على الشريعةِ فيما يبدو للناس اليومَ هُم أبعدُ الناس عن فَهم وتطبيقِ آليّاتِ تحكيمِها وهو واجب، لأنَّ ما لا يَتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجب. 
ماذا يُمكنُ أن يُقالَ يا تُرى في رجُلٍ كادَ أن يُجهِزَ على عدوّهِ الخطير الصائِلِ فقامَ عنه وذهبَ إلى مَن هو أقلُّ عَداوةً وخَطرًا وهو نائمٌ فأيقَظهُ ليُنازِلَهُ، فالتَقَطَ الأوَّلُ أنفاسَهُ وقامَ بالتعاون مَعَ الثاني بالانقضاضِ عليه. 

مُجرَّدُ مثالٍ للفِقهِ الأحوَل!! 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين