بين الإنصافِ والتصنيف

 

 

  إنّي لأكتبُ العبارةَ فيقرؤها أربعةٌ، فيُصَنّفُني كلٌّ منهُم وَفْقَ قراءَته الشَّخصيَّة وفَهمِه الخاصّ. 

فالأوَّلُ يقولُ: هذا كلامُ طالبِ علمٍ على منهَجِ أتباعِ السلفِ الصالح، ذي التوجُّهِ العلميّ التأصيليّ. 

والثاني يقولُ: بل هذا فكرُ أصحابِ التوجُّهاتِ السياسيةِ الحركيةِ الحزبيةِ، من الإخوانِ والسُّرورية !! 

أما ثالثُهم فيقولُ: بل هي منهجيَّةُ الخوارجِ التكفيريّين الحماسيّين الذين يُهيّجون الناسَ ويؤلّبونَهم على أولياءِ الأمور !! 

وأما الرابعُ (ولا أدري إن كانَ هو الأخيرَ) فيقولُ: بل هو من الانبطاحييّن، السائرينَ في هوى الحُكّامِ، المُعادين للجهادِ والمجاهدين، يتتبَّعُ أخطاءَهم ويُكثِرُ من انتقادِهم والتشنيعِ عليهم!! 

وكلُّ هذه التصنيفاتِ لا أكتَرِثُ لها عندما أكتبُ خواطري، بل أعلمُ مُسبَقًا أنَّه سيكونُ منَ القُرّاءِ مَشارِبُ شتى، حتى إنَّك لتَسمَعُ الرأيَ ونقيضَه !! ولكن ما أكترثُ له حقًا هو أن تؤثّرَ خلفيةُ القارئِ الفكريةُ على تركِ ظاهِرِ القولِ وتأويلِهِ بما لا أريدُ، بل وتحميلِ الكلامِ من المعاني ما لا يَحتمِلُ، وتقويلي ما لم أقُلْ، ثمَّ ترويجُهُ وعرضُهُ ومناقشتُهُ على أنَّهُ قولي، بناءً على الصورةِ الذهنيةِ التي ساهمَ خَيالُهُ في رسْمِها !! 

وهذا يحصلُ كذلك مع كثيرين غيري، وسبُبُه (إن سلِمَ من الهوى وسوءِ القصد) هو ما ابتُليَ به الناسُ اليومَ من آفَةِ "التصنيف". 

 

فيا باغيَ الرأي الحَصيف .. لن تبلُغَ الإنصافَ حتى تترُكَ التصنيف. 

 

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين