بين اجتهاد الفقيه واجتهاد السياسيّ

الاجتهاد الفقهيّ أمامه خيارات معدودة محدودة، أمّا الاجتهاد السياسيّ فأمامه بدون مبالغة مساحة واسعة، وعشرات الخيارات.. لأنّه أمام أمشاج متباينة متداخلة من المعطيات، محلّيّة وإقليميّة وعالميّة، وأسرار خفيّة، لا يعلمها أكثر الناس، وكثير منها لا يستطيع البوح به، ويتعرّض لضغوط مختلفة، لا يسعه أن يتجاهلها.. كما لا يمكن أن نبرّأه من هوى النفس، بالمَيل مع المُوافق، والتجافي عن المُخالف، والإصغاء للمُحبّ ولو كان غير صادق في نصحه، والإعراض عن الناقد، ولو كان صادقاً في نقده..

إنّه أمام امتحان صعب عسير، فإمّا إلى السيادة والغنيمة، وإمّا إلى المَهانة والهزيمة.. وهذا في الدنيا، ولوقفة الحساب في الآخرة أشدّ وأخطر..

كلّ ذلك يجعل اجتهاد السياسيّ محل اختلاف الناس وتباين آرائهم، فإذا اجتمع إلى ذلك أهواء النفوس وأمراضها، وعللها وأدواؤها ؛ من الغلّ والحسد، والتنافس على الرئاسة، وحبّ الدنيا، والإعجاب بالرأي، والوقوع في الظلم.. وهي كمّ هائل من البلاء والشرّ.. فأيّ أمل في توافق الناس على اجتهاد السياسيّ ومتابعته.؟! إن لم يكن لمَن هو في موقع المَسئوليّة مزيّة القيادة وحقّ السمع والطاعة.؟!

إنّ الإسلام علّمنا أن لا ننازع الأمر أهله، ونسلّم للسياسيّ الثقة المُؤتمن اجتهاده، ونعطيه حقّ السمع والطاعة ما لم يأمر بمعصية، كي تستقيم حياة الناس، ولا يكون الخلاف والنزاع هو الأصل الذي يحكم علاقاتهم، ويفسد مجتمعاتهم..

ولا يصحّ بمنطق العقل السويّ أن تكون حرّيّة الرأي والتعبير ذريعة لفوضى اجتماعيّة أو سياسيّة، تعطّل حياة الناس، وتفسد علاقاتهم، وتنتهك حرماتهم.. إنّها ليست شيئاً مقدّساً لا يمسّ، فحياة الإنسان ووجوده أقدس منها وأثمن..

فلنفكّر بجدّيّة بالغة بحدود الحرّيّة وضوابطها، قبل أن نتغنّى بها، ونطلقها بغير عقال، فتكون سلاحاً بيد المُخرّبين المفسدين.. فهم أخطر أعدائها، وأسوأ مبغضيها.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين