بيان من مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا حول مأساة سوريا

 
 يتابع مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا مع جماهير الأمة الإسلامية ببالغ القلق والغضب والاستياء ما تقوم به السلطات السورية على أرضها! وضد بعض مواطنيها العزل! من مجازر وحشية! تطال الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، في بشاعة يندى لها جبين الإنسانية، وهم يطالبون بأبسط حقوق الآدمية والكرامة البشرية في احتجاجات وتظاهرات سلمية! وإن مفردات الإنكار والاستياء في شتى اللغات لا تكفي لوصف هذه المشاعر المكبوتة المحزونة التي تغشى الأمة الإسلامية تجاه ما يجرى من عمليات مروعة ظالمة، ولا تكاد تكفي لوصف هذه المحارق البشعة التي يساق إليها هذا الشعب البرئ المنكوب! والتي لم ينج منها - ويا لخجلة القلم والكلمات - حتى من كان في عمر الزهور من أطفال لم يبلغوا الحلم! حيث يمثل بأجسادهم الغضة الطاهرة، وتمزقها أيد حاقدة تجردت من كل حريجة دينية أو خلقية!

إن المطالبة بإطلاق الحريات في التعبير عن الرأي، وإلغاء قانون الطوارئ، والمحاكم التعسُّفيّة الاستثنائيّة، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين، القابعين خلق القضبان بلا جريرة منذ زمن بعيد، والكشف عن مصير المفقودين، والدعوة إلى صياغة دستور جديد، يُؤَمِّن مصالح الأمّة، ويدفع عن أبنائها بطش الحاقدين المستبدّين، وإلغاء ذلك القانون الظالم الذي لا يعرف له مثيل على مستوى العالم، والذي يقضي بالإعدام على مجرّد الانتماء الفكري. كل هذه مطالب عادلة وفطرية وبدهية تتفق على عدالتها قوانين الأرض ورسالات السماء، فهل تقابل هذه المطالب العادلة في صورتها السلمية النقية بهذا الوابل من الصواعق والمحارق والمجازر والمذابح في تعتيم إعلامي لا نظير له في العصر الحديث؟!
وتزداد الصورة بشاعة وقتامة مع تجاهل السلطات السورية لنداءات عشرات الهيئات والمؤسسات الحقوقية الحكومية والشعبية، والنداءات التي تصدر في المجتمع الدولي وجمعيات حقوق الإنسان التي تناشدها الإيقاف الفوري لهذه المجازر، وملاحقة مرتكبيها بالقضاء العادل الذي يضع الأمور في نصابها، وما تلا ذلك من تداعيات وتصعيدات، وما يتوقع مع استمرار هذا التجاهل من تداعيات لا تحمد عقباها، ويصعب التكهن بأبعادها!
إن أرض الشام لمن يجهلها هي الأرض المباركة التي قال فيها إمام الأنبياء صلوات الله وسلامه عليه: إنها خيرة الله من أرضه، يجتبى إليها خيرته من عباده! وقال فيها: طوبى للشام إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليه! وشعبها هو ذلك الشعب الأبي الذي استعصى على الطغاة والغاصبين على مدار التاريخ، فطرد المستعمرين وقاوم المستبدين،لم تهن له في ذلك عزيمة، ولا لانت له في ذلك قناة!
وإن المجمع - انطلاقا من أمانة البلاغ عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم - ليهيب من موقعه بالولايات المتحدة الامريكية وباسم مئات المراكز الإسلامية التي تضم عشرات الآلاف من المسلمين المقيمين في المهجر، والذين أذهلتهم الصدمة وصكت مسامعهم هذه الأنباء! ليهيب بكافة المسئولين في الحكومة السورية أن يستمعوا إلى صوت العقل، وأن يدركوا أن الإصرار على هذا المسلك وخيم العواقب يفضي إلى خراب البلاد وزوال العمران! وأن يجنبوا الأمة الإسلامية عامة ومجتمعهم خاصة ما قد يترتب على هذا التجاهل من توترات وويلات وتصعيدات! لا تزيد هذا البلد المنكوب إلا شقاء! ولا تزيد خروقه إلا اتساعا! ويصعب التكهن بأبعادها أو السيطرة على تداعياتها! - وإنه والله لا تطيب نفوسنا أبدا أن يزج بمجلس الأمن في هذه الفتنة، وأن يدفع إلى قرار أممي لحماية المدنيين، ثم تذهب قوات تحالف دولية لتدمير الجيش السوري بحرا وجوا لصالح الأعداء ، الذين يترقبون هذه اللحظة دون أن يتكلفوا شيئًا، لأن ذلك ستدفع فاتورته الشعوب العربية والإسلامية، من مقدرتها وثرواتها، والجيش السوري في نهاية المطاف درع من دروع الأمة وحصن من حصونها!
كما يهيب بهم أن يعتبروا بدروس التاريخ، فكم زالت قبلهم من ممالك، وكم قصمت قبلهم من قرى كانت ظالمة، فصارت حصيدا كأن لم تغن بالأمس! وأن يعتبروا بدروس الحاضر، فقد سقطت من حولهم نظم! ودكت من حولهم عروش! كان أصحابها أشد منهم قوة وآثارا في الأرض! تترسوا بأجناد ظلمة، وحشود وفيالق وآليات تسد الأفق، فما أغنت عنهم أجنادهم ولا حشودهم من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب! [ لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون ] كما يهيب بهم أن يقدروا ما اتفقت عليه الشرائع السماوية والمواثيق الدولية قاطبة من احترام الحياة البشرية، والكرامة الإنسانية، وحق الإنسان في أن يحيا آمنا في سربه معافى في بدنه، تتوفر له في دولته مقومات الحياة البشرية الكريمة، وعلى رأس ذلك حقه في ممارسة شعائره التعبدية، والاحتكام إلى شرائعه الدينية، وحق الشعوب عامة في التحرر من الطغيان، وحمايتها من العسف والبغي والعدوان، وأن يحرس حقوقها ومكاسبها قضاء عادل حر نزيه! وتلك أبجديات لا ينبغي تجاهلها ولا يجمل قضاء ولا سياسة تجاحدها!
إننا لا شك غضاب! وإن الأمة كلها لا شك غاضبة ومتغيظة! بل تكاد تميز من الغيظ، ولكن يقيننا أن الله أشد غضباً! إننا نغار على هذه الحرمات المستباحة والدماء المسكوبة، ولكن يقيننا أن الله أغير! فلا أحد أغير من الله!
فإلى أمة الإسلام عامة، وإلى إخواننا وأخواتنا الصامدين في أرض الرباط في سورية الحبيبة خاصة أقول لهم:
لا تقنطوا من رحمة الله، ولا تيأسوا من روحه، فاصبروا وصابروا ورابطوا، واحرصوا على سلمية مواقفكم، وإياكم أن تستدرجوا إلى شرك الاقتتال وتبادل إراقة الدماء! وإياكم أن تردوا البغي ببغي مقابل، أو أن تردوا الخطيئة بخطيئة مثلها، أو أن تقابلوا فساد الظلمة بفساد مثله، إن عبقرية تحرككم أنه جهاد سلمي أبيض، لا تراق فيه قطرة دم من جانبكم لكي لا تساق بلاد الشام إلى محرقة احتراب داخلي، كونوا يدا تمتد إلى كل من يجنح إلى السلم، واعلموا ان الوطن مشترك بين جميع أبنائه برهم وفاجرهم، مسلمهم وغير مسلمهم، تسعهم أرضه وتظلهم سماؤه، فاحرصوا على اللحمة الوطنية، وأقيموا منها عهدة على غرار العهدة العمرية، واعلموا من قبل ذلك ومن بعده أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن اليسر مع العسر! وأن العاقبة للتقوى، ولله ملك السموات والأرض وإليه يرجع الأمر كله.
 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين