بمناسبة مجزرة رابعة العدوية


خطبة الجمعة 16/8/2013م
د. محمد سعيد حوى
سلام على الشهداء في الخالدين ، سلام على أرواحكم الطاهرة الطيبة ، ما أعظم هذا الصمود الإيماني ، يواجهون الغدر والقتل بصدورهم العارية ، نقف تقديراً واحتراماً هذا الاستبسال ، كما نردد (ألا لعنة الله على الظالمين)
عندما نرى فظائع الطغاة اليوم فنعود إلى كتاب الله فنقرأ في سورة البروج إذ يقسم سبحانه قسما شديدا ليدل أن أمرا جللا يكون ، وتتكرر المواقف، تماما﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ البُرُوجِ، وَالْيَوْمِ المَوْعُودِ، وَشَاهِدٍوَمَشْهُودٍ، قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِوَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَوَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَوَلَهُمْ عَذَابُ الحَرِيقِ، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواوَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الفَوْزُ الكَبِيرُ، إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ، إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُوَيُعِيدُ، وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ، ذُو العَرْشِ المَجِيدُ، فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ، هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الجُنُودِ، فِرْعَوْنَوَثَمُودَ، بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ، وَاللَّهُ مِنوَرَائِهِم مُّحِيطٌ ، بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدّ، فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ ﴾ [البروج: 1-22]
فها هم قعود يفتنون المؤمنين في يوم موعود لكنه ينتظرهم اليوم الموعود وكفى بالله أن يكون شاهدا في يوم مشهود.
 
 
 
 
 
إنه الصراع بين الحق والباطل:
ندرك أن هذا دأب الطغاة المجرمين القتلة إما أن تتنازل عن دينك وعقيدتك ومبدئك ،أو يقتلوك ، قال تعالى : ﴿ إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْوَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً ﴾ [الكهف: 20]
وقد واجه النبي r في سيرته ألواناً مثل هذه المجازر، بالنسبة لأعدادهم في زمنهم شيء كبير كمأساة بئر معونة ، إذ بعث النبي أقواماً من بني سوليم إلى بني عامر في سبيعن فاعتدى عليهم الأعراب من بني رعلن وذكوان وبني لحيان وبين عصية فقد غدروا بهم حتى أخبر جبريل النبي r أنهم قد لقوا ربهم فرضي عنهم وأرضاهم ، فدعى عليهم النبي r شهراً ، ولمّا كان بنو خزاعة حلفاء رسول الله r بعد صلح الحديبية وغدرت بنو بكر بهم ، حتى جاء عمرو بن سالم ، فقال
 اللهم إني ناشد محمداً
حلف أبينا وأبيه الأتلدة
فانصر هداك الله نصراً اعتدى
وادعوا عباد الله يأتوا مدداً،
 
أي جرم أفظع من القتل بعد الشرك بالله:
إذاً يتعرض المؤمنون الصالحون إلى مجازر ومذابح فهذا قد أخبرنا الله بحدوثه، لكن هذا لا يمنع أن نعريّ المجرمين وفظائعهم وظلم قلوبهم وشناعة فعالهم وفظاعة إجرامهم ، إذ قتل النفس هو أعظم جريمة عند الله بعد الكفر، ﴿ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَاوَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِوَلَعَنَهُوَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ﴾ [النساء: 93]
﴿ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاًوَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاًوَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ ﴾ [المائدة: 32]
 
أول ما يقضى بين الخلائق يوم القيامة في الدماء
وفي هذا قوله تعالى:﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ، يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْوَالْجُلُودُ، وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ، كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَاوَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ ﴾ [الحج: 19-22]
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَنْ يَزَالَ المُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ، مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا») صحيح البخاري،  6862 .
 (من استطاع أن لا يحال بينه وبين الجنة بملئ كفه من دم إهراقه فليفعل) البخاري
وقد أقسم النبي (لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة من الكعبة)
 
المشاركون في الجريمة:
 
الساقطون أخلاقيا، المؤيدون أو المبررون أو الفرحون أو الداعمون.
إن القتل والإجرام فعل الفراعنة الطغاة ومن سار على دربهم ﴿ وَقَالَ المَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىوَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِوَيَذَرَكَوَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْوَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْوَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ﴾ [الأعراف: 127]
والظلم ظلمات ومن أيد الظالم فهو معه وشريكه ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُواوَأَزْوَاجَهُمْوَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ ﴾ [الصافات: 22]
ومن وافق على هذه الجرائم بأي طريقة مسؤول أمام الله ﴿ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْوَيُسْأَلُونَ ﴾ [الزخرف: 19]
وفي الحديث (لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار ) الترمذي.
وفي الحديث الصحيح : من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.
 (عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِ مُؤْمِنٍ وَلَوْ بِشَطْرِ كَلِمَةٍ، لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: آيِسٌ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ") سنن ابن ماجة، ضعيف، 2620.
لقد بيّن سبحانه أن الاتباع شركاء في الجريمة
﴿ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَاوَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاْ، رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ العَذَابِوَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً ﴾ [الأحزاب:67- 68]
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِوَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباًّ لِّلَّهِوَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ العَذَابَ أَنَّ القُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاًوَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العَذَابِ ،إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواوَرَأَوُا العَذَابَوَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ ،وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْوَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 165-167]
﴿ وَلاَتَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُوَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ ﴾ [هود: 113]
﴿ لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِوَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَوَرَسُولَهُوَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَوَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُوَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْوَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلاَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ المُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22]
 
مصير المجرمين:
إنه الإجرام الخطير سواء من قتل أو دعم أو شارك أو رضي أو فرح أو ساعد بإعلام أو مال ، وإنهم جميعاً داخلون في قوله تعالى: ﴿ يُعْرَفُ المُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِيوَالأَقْدَامِ، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، هَذِهِ جَهَنَّمُ الَتِي يُكَذِّبُ بِهَا المُجْرِمُونَ، يَطُوفُونَ بَيْنَهَاوَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ﴾ [الرحمن: 41-44]
 ﴿ وَوُضِعَ الكِتَابُ فَتَرَى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِوَيَقُولُونَ يَاوَيْلَتَنَا مَا لِهَذَا الكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةًوَلاَكَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَاوَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراًوَلاَيَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ [الكهف: 49]
﴿ وَرَأَى المُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَاوَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً ﴾ [الكهف: 53]
﴿ وَتَرَى المُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ، سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍوَتَغْشَىوَجُوهَهُمُ النَّارُ، لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الحِسَابِ، هَذَا بَلاغٌ لِّلنَّاسِوَلِيُنذَرُوا بِهِوَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌوَاحِدٌوَلِيَذَّكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ ﴾ [إبراهيم: 49-52]
﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ المُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ، وَصَاحِبَتِهِوَأَخِيهِ، وَفَصِيلَتِهِ الَتِي تُؤْوِيهِ، وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنجِيهِ، كَلاَّ إِنَّهَا لَظَى، نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى، تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَوَتَوَلَّى، وَجَمَعَ فَأَوْعَى ﴾ [المعارج: 11-18]
ولا عذر لأولئك الذين يلتمسون أعذاراً للقتلة المجرمين
﴿ إِنَّ المُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْوَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ﴾ [الزخرف: 74-75]
القضية إذاً قضية حق وباطل ، إيمان ونفاق ، شرف وخيانة :
 على من يستقوي هذا الجيش الذي فر كالجرذان والفأران بسبب قياداته ومعاصيها ومحاداتها لله ورسوله في 67 في 6 ساعات، أما أنه يستيطع أن يفرد عضلاته على العزل والأبرياء والسلميين فيقتل الآلاف في 6 ساعات، أما الدجل الإعلامي والكذب الرخيص والتضليل والتزوير يمضي على خطا الدجال الأكبر لأنه نفس المنهج،
أما أولئك الشهداء:
 الذين صدقوا مع الله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون وهم عند ربهم أحياء يرزقون وهم خيرة الخيرة بعد الأنبياء وهم روح الحياة لهذه الأمة، وستبقى دماؤهم لعنة على الظالمين ، نعم لماذا ثاروا لماذا تحركوا ..؟ مازال البعض لا يفهم ولا يريد أن يفهم ، المؤمن يستقبل كل ذلك بثبات وإصرار وعزيمة وإقدام ورضى عن الله سبحانه وتعالى، كما يلعن الظلمة الطغاة المتجبرين ، هذه الأمة تخوض مخاضاً عظيماً نحو حريتها واستقلالها وكرامتها.
ربنا يهيئ المنطقة والشعوب لأمر على طريق الفسطاطين ، فسطاط إيمان لا كفر ولا نفاق فيه وفسطاط كفر ونفاق لا إيمان فيه ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ﴾ [الشعراء: 227]
أين الطغاة أين المتجبرون أين القتلة السابقون ؟

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين