بطانة الأمس وبطانة اليوم

د.أحمدمحمد كنعان

البطانة هي حاشية الحاكم التي يرجع إليها في القضايا العامة ، فيستشيرها في أمر البلاد والعباد ، وهذه البطانة قد تكون صالحة فتأخذ بيد الحاكم وشعبه إلى الخير والصلاح ، وقد تكون بطانة فاسدة فتأخذ بالحاكم وشعبه إلى الخراب والدمار ، وقد سجل التاريخ مواقف مشرفة لبعض البطانات التي وقفت في وجه الحكام الطغاة خوفاً على البلاد من هلاك محقق ، وتلك هي قصة رجل من بطانة فرعون ..
وفرعون هو زعيم مصر في زمن نبي الله "موسى" عليه السلام ، ويضرب بفرعون المثل في الاستبداد الذي جعله يتأله على قومه قائلاً : ( أَنَا رَبُّكُمُ الأعْلى )وكان يُسكت كل صوت حر فيقول : ( مَا أُريكُمْ إلا مَا أرَى ) وهي صورة نموذجية لكل دكتاتور مستبد في كل عصر ، ولذلك لا غرابة أن يعرض القرآن الكريم شخصية فرعون بالتفصيل في مواضع عدة ، وفي مواقف مختلفة ، للتحذير من مثل هؤلاء الحكام الظلمة الذين يقودون بلادهم إلى الدمار !
إلا أن هذا "الفرعون" بالرغم من جبروته الذي بلغ حد ادعاء الألوهية لم يمنع وجود بعض العقلاء المخلصين بين بطانته ، الذين أحس بعضهم بالخطر الداهم إن لم يستجيبوا لدعوة النبي "موسى" عليه السلام ، فقد قام واحد منهم في مجلس فرعون يدعوه وبطانته بلسان الناصح الأمين إلى الإيمان بما جاء به موسى ، ويخوفهم من بأس الله عز وجل إن هم رفضوا ، ويذكرهم بحال الأمم الغابرة التي خالفت عن أمر الله فأذاقها ألوان العذاب ثم أبادها ، كما فعل بقوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم (الآيات 28 ـ 44 سورة غافر) .
وفي مقابل هذه الصورة الوضيئة للبطانة العاقلة التي تدرك أن وظيفتها الأولى هي النصيحة المخلصة لولي الأمر ، شاهدنا في سياق الربيع العربي ( طبعة 2011 ) صوراً عجيبة فاقعة الغرابة لبعض البطانات التي بلغ بها النفاق حداً لم نتصور أن تبلغه بطانة في التاريخ بما فيها بطانة فرعون الذي نصَّب نفسه إلهاً من دون الله ، وقد شهد العالم أجمع قبل أيام إحدى هذه الصور الفاقعة حين وقف نائب ( مفرد نوائب ! ) في مجلس الشعب يمتدح زعيمه قائلاً له بكل وقاحة وفجور : والله يا سيدي ، أنت لا يكفي أن تحكم هذا البلد أنت يجب أن تحكم العالم !
وقد تبع هذا النفاق الفاجر تصفيق أفجر منه من بقية النوائب ، وهي صورة كاركاتورية عجيبة تمثل الصورة المقلوبة لمجلس الشعب الفرعوني الذي كان فيه فرعون هو الذي يدعي الألوهية ، أما هنا في مجلس الشعب العربي فإن الذي يؤله الزعيم هم بطانته الذين اختاروا لأنفسهم دور العبيد ، وجعلوا من ذلك الصبي المراهق إلهاً يعبدونه من دون الله ، وكأن لسان حال هذه البطانة الفاسدة يردد تلك الطقطوقة البديعة التي صوَّر فيها مطرب الشعب "سيد درويش" حال هؤلاء المنافقين إذ يقولون : ( عشان ما نعلى ونعلى ونعلى ، لازم نطاطي نطاطي نطاطي ) !
ولهذه البطانة البائسة التي اختارت أن تطأطئ رأسها ومؤخرتها للطغاة المراهقين من حكام هذه الأيام ، وباعت ضمائرها ودينها بعرض من الدنيا قليل ، نقول : تذكروا أنكم يوماً ما سوف تقفون بين يدي حَكَم عَدْل .. فما أنتم قائلون ؟!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين