بصائر نفسية إسلامية -6-

      القلق الوجودي:

            أي: القلق النفسي الملازم لوجود الإنسان، إذ بمجرد أن يوجد الإنسان، ""Exist  ويدرك ذاته، ويعي نفسه، فإن هموماً وأقلاقاً معينة تفرض نفسها عليه، وتنغص عليه حياته، ما لم يجد لها إجابات مريحة، ومقنعة.

 

ومن الهموم والأقلاق (جمع قلق) الوجودية قلق الموت، حيث ليس هنالك إنسان واحد يعيش على وهم الخلود في الدنيا، فالبشر كلهم على يقين أنهم سيموتون يوماً ما، وللموت رهبتة، وهو مصدر قلق وخوف في حياة الإنسان.

 

            ومن الأقلاق الوجودية، شعور الإنسان أنه كائن حر مريد، أي: حر وقادر على الاختيار الحر، ويتساءل عما سيفعله بهذه الحرية، وهذه الإرادة.

 

            ثم إن الإنسان مخلوق، لا يقدر أن يحيا دون معنى، فهو يعطي لكل شيء في حياته معنى، ثم يتساءل عن معنى وجوده وحياته، ويكون البحث عن معنى الحياة، واحداً من أهم الهموم والأقلاق الوجودية عند الإنسان.

 

            هذه الأقلاق الوجودية "Existential" لا شفاء لها حقيقي، إلا بالإيمان الصحيح، وكلما كان الإيمان صحيحاً غير محرف، كلما استراحت النفس الإنسانية من القلق الوجودي، ووجدت في عقيدتها الإجابات الشافية، التي تملؤها بسكينة الإيمان.

 

            أما غير المؤمن، فقد يلجأ إلى خداع نفسه، بخرافات نفسية، أو علمية، أو أسطورية، كي يريح عقله وقلبه من ضغط القلق الوجودي على نفسه، وقد يلجأ إلى الخمر، والمخدر، والمتع الحسية، كالجنس، والموسيقى، وغيرها، فيفرط فيها، كي يلهي نفسه، ويشغلها عن تساؤلاتها الوجودية المؤلمة.

 

            النوع الثاني من القلق الإنساني، أي: القلق الوجودي، لا علاج له إلا الإيمان، وإن كان المستكبرون الرافضون للخضوع لرب العالمين يدعون أن الحب، والعمل، يكفيان ليشعر الإنسان بالأمان دون إيمان. لكن واقع حياتهم البائسة، والفلسفة العدمية التي طغت على أفكار الأوربيين خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ترينا كيف أخفقوا في التغلب على قلقهم الوجودي دون إيمان.. فلا الحب، ولا العمل، كافيان إن عمل العقل وتساءل عما بعد الحب والعمل، ولا الجنس، ولا الخمر، ولا الموسيقى، وغيرها من المتع الحسية، بقادرة على أن تنسي الإنسان أسئلته الأزلية عن مبدئه ومنتهاه، ومعنى وجوده، وماذا بعد موته.

 

            في أوربا، حيث استغنى الناس بعقولهم عن الله، ظهرت فلسفات عدمية، وكتابات يائسة، تؤكد أن لا معنى لشيء في الحياة الإنسانية، ولعل أشهر الفلاسفة والكتاب الذين عبروا عن الحياة بلا إيمان، سارتر وكامو، وغيرهما.

 

            لقد دخلت أوربا في النصف الثاني من القرن العشرين، مرحلة ما بعد الحداثة، حيث تشككوا في كل شيء، وفقدوا المعنى والهدف، وصارت الحقائق بالنسبة لهم نسبية، فصاروا يتقبلون ويحترمون كل الأفكار، والمعتقدات، لأنهم فقدوا الشعور بالتأكد واليقين، وفقدوا الثقة بالعقل الإنساني، وبقدرته على الوصول إلى الحقيقة عن طريق العلم والفلسفة، وأورثهم ذلك تسامحاً لم يعرفوه من قبل مع الأديان والمعتقدات الأخرى، وصاروا ينادون بالتعايش في المجتمع بين أفراده، حتى لو اختلفت أديانهم، ورؤاهم للعالم والحياة، طالما أنهم لا يحاولون فرض شيء على غيرهم... لقد شعروا بضياعهم، وضعفهم البشري، لما بعدوا عن الخالق وهدايته، لكنهم حتى الآن لم ينتبهوا إلى أن المخرج هو في الإيمان الصحيح، والدين القويم، القائم على الحق، لا على الأهواء والخرافات....  

 

            لم ينتبهوا إلى الآن إلى أن هنالك حق، وهنالك من يعرف هذا الحق معرفة واضحة، وأنهم لو آمنوا به، لاستعادوا السكينة، والشعور بالأمان، والمعنى في هذا الوجود، ولامتلأت حياتهم بهجة وسعادة، وبخاصة أنهم عمروا دنياهم عمارة رائعة، وحلوا الكثير من المشكلات الحياتية التي تنغص على شعوب وأمم كثيرة حياتها.

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين