بصائر نفسية إسلامية -4- اعقلها وتوكل   3 من 4

   وعندما نتوكل على الله، نفوضه أن يختار لنا الأحسن، وما هو خير لنا، فلا نحرص على أمر بعينه، إذ قد لا يكون الخير فيه. ولأننا إن حرصنا على شيء معين سنعيش بالقلق رغم التوكل على الله إذ التوكل يضمن لنا أن يكتب الله لنا ما هو خير لنا لا ما نشتهي ونحب، لأننا قد نحب أمراً ولا ندري أنه شر لنا وقد نكره أمراً ويكون خيرنا فيه، لأننا مهما علمنا فإن علمنا محدود ولا نعلم الغيب كما يعلمه الله:

            - {كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون}. (البقرة:  216).

- {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً}. {النساء:9}

            لذا كان الحرص على أمر معين يتعارض مع التوكل على الله الذي هو تفويض الأمر إليه ليقدر لنا الخير كما يعلمه هو لا كما نظن نحن.. ولا مانع أن نرغب في شيء معين لكن نذكر دائماً أننا إن توكلنا على الله فسييسر لنا ما هو خير لنا ولو كان غير الذي رغبنا فيه.. وعلينا أن نرضى بما اختاره ربنا لنا طالما أننا توكلنا عليه، وأن نثق أن الخير كل الخير فيما اختاره لنا، وأن الأيام ستثبت لنا أن ما اختاره لنا ربنا خير مما تمنيناه.

            إن التوكل يضمن لنا أن ييسر الله لنا ما فيه الخير، وسيصرف عنا ما فيه السوء والشر، أي: سيختار لنا الأحسن من الأمور الممكنة، وليس بمعجزة تتجاوز القوانين الطبيعية والأسباب التي جعلها الله ضرورية لحدوث مسبباتها.

            في حالات خاصة، يصدر أمر الله متجاوزاً كل القوانين الطبيعية، كما حدث لإبراهيم عليه السلام، قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: [كان آخر قول إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار: "حسبي الله ونعم الوكيل"]. (رواه البخاري) {قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم}. (الأنبياء: 69).

            من أجل إبراهيم، وحين توكل على الله حق التوكل، في موقف ليس هنالك أعصب ولا أصعب منه، أمر الله النار على الفور أن تكون برداً وسلاماً على إبراهيم.

            لكن من أجلي ومن أجلكم، فإننا نطمع أننا عندما نتوكل على الله حق التوكل، فإنه ييسر ويقدر أموراً تقود إلى حصول الخير الذي نسعى إليه، إذ لا بد لكل شيء من الأقدار التي تصنعه، وتؤدي إليه وفق القوانين الطبيعية، وسنن الله في خلقه ومخلوقاته، تلك السنن التي لن نجد لها تبديلاً ولا تحويلاً.

            والله يذكرنا بضرورة الصبر والانتظار مع التوكل، لأن لكل شيء قَدْر، والله بالغ أمره في الوقت المقدر.

{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} الطلاق 3 .

            إذن لا بد حتى نتوكل على الله من أن نفوضه، ونفوض أمرنا إليه، وأن لا نعلق قلبنا بأمر معين، ونحرص عليه بشدة، ثم نقول: توكلنا على الله، لأن الله الذي فوضناه، ووكلناه، ووليناه أمرنا،سيقرر لنا، ويختار لنا، وقد يختار لنا غير الذي تمنيناه لأنفسنا، لأنه يعلم أن الخير فيه..لا بأس أن نرغب في شيء نرى فيه الخير، ونتوكل على الله، ونأمل أن يحققه الله لنا، لكن مع الاستعداد لتقبل ما يقدره الله بدلاً عنه، والرضا به، ثقة منا بأن الله الذي اتخذناه وكيلاً، وهو نعم الوكيل، قد اختار لنا ما هو أحسن، وما هو خير لنا في الدنيا والآخرة.

أرجو ممن أعجبته مقالتي هذه أن يتكرم بنشرها لعل الله يثيبه ويثيبني وينتفع بها إخوة آخرون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين