بصائر نفسية إسلامية -3- اعقلها وتوكل   2 من 4

     وقد سمى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الأخذ بالأسباب "الكَيْس"، وسمى ترك الأخذ بها "العجز". وقال: [إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكَيْس، فإذا غلبك أمر فقل: "حسبي الله ونعم الوكيل"]. (رواه أحمد وأبو داود وغيرهما)

            وقال صلى الله عليه وسلم "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا. ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان". رواه مسلم.

            وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من العجز والكسل فيقول: (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والهرم، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات، وأعوذ بك من عذاب القبر). رواه البخاري.

            والمؤمن يعد لكل أمر ما استطاع من عدة ولا يتبع نفسه هواها ثم يتمنى على الله الأماني.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الكَيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله.) (رواه الترمذي وحسنه والحكم في مستدركه وقال صحيح على شرط البخاري)

            لكن التوكل مع العجز صحيح، وهو توكل وليس تواكلاً كما يقول البعض، بل على العكس كان علماء الأمة القدامى يخشون أن يؤثر الأخذ بالأسباب في صحة التوكل على الله، إذ كانوا يظنون أن التوكل الحق على الله يعني: الثقة به سبحانه وتعالى وحده دون اللجوء إلى غيره من جهد أو أسباب، وبخاصة عندما قرؤوا ما رواه البخاري عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون).

            لكنهم بفضل الله، اهتدوا إلى الحق، وهو صحة التوكل على الله، حتى مع الأخذ بالأسباب، بشرط أن لا يتعلق القلب بتلك الأسباب، بل يبقى تعلقه بالله، ولا يرى نافعاً، ولا ضاراً، ولا رازقاً، إلا إياه، أما الباقون فوسائط وأسباب يرسل الله إلينا فضله عبرها.

            إن اشتراط الأخذ بالأسباب لصحة التوكل، يلغي الفائدة النفسية من التوكل، والتي هي أن لا نقلق.. فالإنسان مهما أخذ من أسباب، يبقى لديه شك، أن يكون هنالك أمر نسيه، أو فاته، لجهله ومحدوديته، فلو كان الأخذ بالأسباب شرطاً لازماً لصحة التوكل، والوصول إلى تحقيق هذا الشرط تحقيقاً تطمئن له النفس، ويرتاح له القلب، أمراَ عسير، لكان التوكل على الله بعيد المنال، وكانت السكينة التي تحصل منه عزيزة لا يصل إليها إلاّ القليل...

            إن التوكل على الله مستقل عن الكَيْس الذي هو  الأخذ بالأسباب، وعن العجز، الذي هو ترك الأخذ بالأسباب، والتوكل مطلوب مع الكَيْس، والكَيْس مطلوب مع التوكل، دون أن يكون أحدهما شرطاً لازماً للآخر، فكل منهما مستقل عن الآخر، وكل منهما مطلوب من المؤمن.

            الكَيْس مطلوب، والمؤمن كَيِّسٌ فَطِنٌ كما يقال، والتوكل مرغوب من المؤمن، فالله  يحب المتوكلين، ويطمئنهم أنه كافيهم، ولن يحيجهم إلى غيره.

قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران: 159).

وقال: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} الطلاق3

وقال: {وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} الأحزاب3

وقال: {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} النساء132

وقال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً} الإسراء65

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين