بصائر نفسية إسلامية -12- شفاء لما في الصدور  3 من 6

      ورغم قوله تعالى: {في الصدور}. فإن المقصودة: هي الأدمغة التي في الرؤوس.. لكنه جعل القلوب التي في الصدور دليلاً عليها، والقلوب التي في الصدور، بمثابة الشاشة التي عليها نرى ما يقوم به الحاسب الكومبيوتري من أعمال، وما يقدمه لنا من نتائج ومعلومات، وإننا نظر إلى الشاشة، لنعرف ما يجري في جهاز الكومبيوتر، دون أن نظن لحظة أن الحاسب الحقيقي موجود في الشاشة. وهكذا أراد الله من الناس أن يحكموا قلوبهم في قضايا الإيمان لا عقولهم، لأن تحكيم العقل وحده بعيداً عن القلب ومشاعره، لا يقود إلى الإيمان، فالتفكير العقلي المنطقي يترك دائماً فسحة للشك، ويرى درجة ولو صغيرة جداً من الشك مبررة، ومن هذا الشك يدخل الشيطان من الإنس والجن ليفسد على الإنسان إيمانه.

 

      والعقل نحس بعمله في رؤوسنا من خلال العضلات المحيطة بجماجمنا. أما عندما نحكم كل أدمغتنا بجميع أجزائها، فإن شعورنا بعملها يكون في الصدور، ونعبر عنه بانشراح الصدر، وطمأنينة القلب، وننسب إلى قلوبنا الحب، والكره  والإخلاص  والصدق  أو النفاق  والكذب.

      ونعلم أن عضلة القلب لا دور لها في ذلك أبداً، إنما هكذا جعل الله صدورنا، وضربات قلوبنا مرآة تنعكس عليها نشاطات أدمغتنا، عندما تعمل بكليتها ويشترك كل جزء منها في اتخاذنا لقرار ما مثل الإيمان بربنا  وحبه  وطاعته.

 

      إن قوله تعالى: {القلوب التي في الصدور} وهو يشير إلى أدمغتنا، ليس غلطة علمية، إنما هي أذكى وسيلة للوصول إلى أفهام الناس كلهم، فنحن مهما تقدمنا في العلم، ما نزال نرى الحب في القلب الذي في صدر كل منا، لأننا هناك نحسه، وسنبقى إلى الأبد نقول: إن قلبي أحب أو أبغض، مع أن عضلة القلب، عملها مقصور على ضخ الدم في البدن، وليست إلا مرآة عاكسة، وشاشة نرى عليها نتائج عمل أدمغتنا، وقد امتزجت المشاعر بالأفكار، وصرنا قادرين على الإيمان واليقين، رغم أن تفكيرنا المنطقي وحده لا يستطيع أن يتخلص من ميله إلى الشك.

 

      والمهم بعد هذا الاستطراد، أن نذكر أن المؤمن بشر من لحم ودم وخلايا، ومعرض لأن يصاب بالقلق أو الاكتئاب أو الوسواس القهري أو أي اضطراب نفسي يصاب به البشر عادة. ولا بد لعلاجه من تناول الأدوية، والعلاجات الأخرى، التي أثبتت قدرتها على شفاء غيره من بني البشر، كفاراً  كانوا أو مؤمنين، لأن كفرهم لا يغير شيئاً في تركيب خلاياهم، وعمل أجهزة جسمهم المختلفة.

     لا بد لنا من التحرر من الخرافة التي تظلم المؤمن المريض نفسياً ظلماً  كبيراً، إذ تشكك في إيمانه وتقواه، إذا أصابه القلق أو الاكتئاب أو الوسواس القهري، أو أي اضطراب نفسي أو عقلي آخر، فتكون مصيبته مضاعفة، حيث يظن نفسه ضعيف الإيمان، إضافة إلى المرض الذي يعاني منه، فلا يبحث عن العلاج في مكانه، بل يتجه إلى نفسه باللوم والكره، لأنه يظن أنها نفس غير مؤمنة، أو هي نفس اتبعت الأهواء، حتى جعلته يقع فيما لا يقع فيه المؤمن من مشاعر وأفكار، فيزداد عذابه فوق ما فيه من أعراض، وهو مسكين بريء مما يقال عنه، فقد رأيت على مدى السنين من عملي في الطب النفسي، أعداداً كبيرة من الرجال والنساء المؤمنين الملتزمين والمطبقين لدينهم أحسن تطبيق، ورأيت كيف تحسنوا بالعلاج الطبي، فعادت إليهم قدرتهم على التفاعل مع الحقائق الإيمانية، والتمتع بالطمأنينة التي تجدها النفس المؤمنة عند ذكر الله وطاعته.

 

أرجو ممن أعجبته مقالتي هذه أن يتكرم بنشرها لعل الله يثيبه ويثيبني وينتفع بها إخوة آخرون.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين