بشائر العافية

1- إخفاء العمل:

طوبى للأتقياء الأنقياء الأخفياء، الذين إذا غابوا لم يُفتَقَدُوا، وإذا حضروا لم يُعْرَفُوا، أولئك النازلون في الناسِ منزلة القلب من الجَسدِ، ولضِخَامةِ أرباحهم قرع الزبير رضي الله عنه سَمْعَكَ ناصحًا:

" من استطاع منكم أن يكون له خبءٌ من عملٍ صالحٍ فليفعل "!

فإذا انتسبتَ لأهل السرِّ، وتألمتَ إن رآك فيه بشر، وجلستَ ترقب قدوم الليل ساعة بساعة، وصلاة بِصَلاة، ولما خيَّم الظلام، نَصَبْتَ الأقدام، وناجيت رب الأنام، والناس نيام، فثق بأنك وَصَلْت، وقد اقترب الوعد الحق، فهذا ليلٌ لا يُحْيِيهِ إلا صادق، وَقَلَّمَا سهر فيه منافق، وَبَشِّرِ الصابرين!

2- اتهام النفس، وعدم الاغترار بمديح الناس:

إن اتهام النفس منقبة فُضلى لصالح الأخفياء، فهم {الَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 60]، وقد رأينا عمر رضي الله عنه يذهب لحذيفة رضي الله عنه يسأله: أأنا من المنافقين يا حذيفة؟! وبنفس نسيج المعاني، ولكن بأحرف مختلفة؛ يطل علينا ابن المبارك قائلًا: أُحِبُّ الصالحين ولستُ منهم، وأبغض الطالحين وأنا شرٌّ منهم [أبو نعيم / حلية الأولياء (8/170).]

وعلى ذات القاعدة هتف إمام الدنيا الإمام الشافعي قائلًا:

أُحبُّ الصالحين ولستُ منهم=عساني أنْ أنالَ بهم شفاعة

وأكرهُ من تجارتُه المعاصي=وَلَوْ كنَّا سواءً في البضاعة

فرد عليه تلميذه الإمام أحمد بن حنبل:

تُحبُّ الصالحين وأنت منهم=عساهم أن ينالوا بك الشفاعة

وتكرهُ من تجارتُه المعاصي=وَقَاكَ الله من تلك البضاعة

نسائم الروح

لا يغرنك أخي مديحُ الناس لك، فهم إن مدحوك إنما يمدحون سِتْرَ الله فيك، فإنه برحمته أظهر للناس حسناتِك اليسيرةَ، وأخفى عنهم سيئاتك الكثيرة، فالفضل لمن أكرمك وسترك، لا لمن مدحك وشكرك! [شرح الحكم العطائية ص (212)].

أَتْحَفَكَ ابنُ عطاءٍ بموعظةٍ سيالة، سكبها في قلبك، وقال بصراحةٍ بالغة: " الناس يمدحونك لما يظنونه فيك، فكن أنت ذامًّا لنفسك لما تعلمه منها،

فأجهل الناس من ترك يقين ما عنده لظنِّ ما عند الناس "!

3- الفرار من الشهرة وأهلها:

إذا سعى العبد لرفع اسمه على كلِّ لسان، والتلويح بذكره في كل ميدان، ظانًا أنه وحيد دهره، وفريد عصره، فاعلم أن الداء ما زال جاثمًا على صدره، أما الساعي في الخمول؛ فإن الله يرفع ذكره، ويعظم قدره، وانظر لبركة الزمان، وصمام الأمان ابن محيريز الذي كان دعاؤه دومًا: " اللهم إني أسألك ذكرًا خاملًا "، وهو مَنْ قال فيه رجاء بن حَيْوَة: " إني لأَعُدُّ بقاء ابن محيريز أمانًا لأهل الأرض جميعًا "!

وتأمل صنيع أيوب السختياني الذي أحرج الصالح وفضح الطالح:

كان أيوبُ صَدِيقًا ليزيد بن الوليد، فلما تولى يزيد الخلافة رفع أيوب كفيه إلى السماء ضارعًا: اللهم أَنْسِهِ ذِكْرِي! [أبو نعيم / حلية الأولياء (3/6)].

ورحم الله الفضيل الذي أقسم؛ لِيحْجِزَ كل متسلق عن ذوي المناصب، فقال: والله لو استأذن عليَّ هارون الرشيد ما أذنتُ له؛ إلا أن أُغْلَبَ على ذلك، فكيف بمن يذهب إليه من هؤلاء؟، فإنهم عطشى للنصيحة، ولا يتقنها إلا أمثال عمر بن الخطاب رضي الله عنه!

[قال الدكتور يونس الأسطل " إن الذهاب للحاكم طمعًا في دنياه هو المذموم، وأما الناصح فإنه مرحوم، وقد كان من مصائب التاريخ اعتزال الحكماء عن الحكام، فأدى إلى تكريس الملك العضوض، وكثرة المظالم].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين