براءة أئمة التجديد والإصلاح من الدعوة إلى تعدد سبل الخلاص أو جواز تعدد الأديان (٣)ما يتعلق بالشيخ محمود شلتوت

الشيخ محمود شلتوت من أئمة الإصلاح الكبار، وله مشاركات مهمة في الفقه والتفسير، وقد تولى مشيخة الأزهر سنة ١٩٥٨ إلى أن توفاه الله سنة ١٩٦٣.

وقد ادَّعى عليه الشيخان الغماريّان أحمد وعبد الله أنه قال في مقال له : إن الإيمان بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم غير واجب، وأنَّ أهل الكتاب لذلك ناجون يوم القيامة.

وهذا الزعم منهما باطل مدفوع بالصدور والأعجاز قولاً واحداً، للعلل الآتية :

الأولى: عدم وقوفهما على المقال المزعوم.

فلم يدّع أي من الشيخين المذكورين أنه رأى بعيني رأسه ذلك المقال.

فالشيخ عبدالله - رحمه الله - قال في (سبيل التوفيق) ص٩٣: (وأخبرني صديقي الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي أنه رأى في مجلة صوت أمريكا مقالاً للشيخ محمود شلتوت)... الخ.

فالشيخ هنا يروي عمّن يدّعي رؤية المقال.

والشيخ أحمد عرف هذا الأمر من أخيه، فلم يرَ المقال هو الآخر، فقد قال كما في (الجواب المفيد) ص٧٢: (وقد كتب إليّ سيدي عبدالله حديثاً يخبرني بأن الملحدَين الأزهريين (كذا!) شلتوت ومحمد المدني أصدرا فتوى في بعض المجلات) ... الخ. 

ومعلوم أن نقد مقال معيّن يستوجب الاطِّلاع المباشر عليه لمعرفة حقيقة ما يقول صاحبه، ونقل نصوص صريحة منه.

والدكتور خفاجي اللذين نقلا عنه أديب متخصص في البلاغة كما هو معلوم، وليس في مظنَّة أن يكون مؤهَّلاً لفهم كلام العلماء على وجهه الصحيح.

الثانية: الاضطراب

فقد اضطرب الشيخان في بيان صاحب المقال المزعوم.

فقد زعم عبدالله في (التحقيق الباهر) ص٣ أن صاحبه (مبتدع أزهري).

وزعم فيما بعثه إلى أخيه أن صاحب المقال اثنان، هما شلتوت والمدني، كما سلف.

ثم جاء الشيخ أحمد فتزيّد في الحديث، فزعم كما في (الجواب المفيد) ص٥٢ أن أصحاب الفتوى ثلاثة هم: محمود شلتوت، ومحمد المدني، وعبد الجليل عيسى!

فأي الأقوال نصدق؟

وقد بيّن أهل الحديث أن الاضطراب في الرواية دليل على ضعفها وقلة ضبط الناقلين لها.

الثالثة: التفرد

لم ينقل هذا الزعم أحد من محبّي الشيخ شلتوت وتلاميذه، ولم يورده أحد ضمن آثاره، فهل يعقل أن لا يطلع على هذا المقال الذي من المفترض أنه نُشر في مجلة سيَّارة، وفيه تلك المعلومة الخطيرة، إلا رجل واحد أديب، ثم لا ينقلها عنه الا أخوان اشتهرا بعداوة الشيخ وشنآنه؟ 

الرابعة: المخالفة

فهذا الزعم مخالف لما سطره الشيخ شلتوت رحمه الله في كتبه.

فقد بيّن في كتابه (الإسلام عقيدة وشريعة) ص١٨ أنه (جعل الإسلام عنوان تحقق هذه العقائد عند الإنسان الشهادة بأن الله واحد وأن محمداً رسوله).

وقال ص١٩ :(فمن لم يؤمن بوجود الله... أو فرق بين الرسل الذين قصَّ علينا فآمن ببعض وكفر ببعض... لا يكون مسلماً ولا تجري عليه احكام المسلمين).

وقال ص٣٦: (وكما طلب الإسلام الإيمان بجميع الرسل طلب الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين).

وقال بعد ذلك: (وكما قرر القرآن أن الرسالات الإلهية ختمت برسالة محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه خاتم الانبياء قرر أيضاً أن رسالته عامة بمعنى أنها موجهة إلى جميع الناس في جميع أجناسهم ولغاتهم الموجودين منهم وقت حياته والموجودين منهم بعد مماته إلى يوم الدين).

فهل هناك عبارات أصرح من تلكم العبارات؟

فلا أملك أن أقول بعد هذا كله عن قول الغماريّين: سبحانك هذا بهتان عظيم.

انظر : الحلقة الثانية هنا 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين