بذاءة اللسان : ضعف إيمان وقلة حياء

 

البذاءة : مأخوذة من مادّة (ب ذ أ) الّتي تدلّ كما يقول ابن فارس على «خروج الشّيء عن طريقة الإحماد» يقال: بذأت المكان أبذؤه، إذا أتيته فلم تحمده وبذأه: احتقره وذمّه ، المباذأة وهي المفاحشة والقبح في المنطق ،

 

وفى الاصطلاح : عند الغزاليّ التعبير عن الأمر القبيح باللفظ الصريح

 

وعندالمناويّ: هي الفحش والقبح في المنطق

 

قال ابن حبّان: القحّة (ترك الحياء) أصل الجهل وبذر الشّرّ

 

وربّ قبيحة ما حال بيني ... وبين ركوبها إلّا الحياء

 

فكان هو الدّواء لها ولكن ... إذا ذهب الحياء فلا دواء

 

وفى مصدر وباعث البذاءة فى اللسان يقول الغزاليّ- رحمه الله تعالى-: إنّ السّبّ والفحش وبذاءة اللّسان مذمومة ومنهيّ عنها ومصدرها الخبث واللّؤم، والباعث عليها إمّا قصد الإيذاء وإمّا الاعتياد الحاصل من مخالطة الفسّاق وأهل الخبث واللّؤم لأنّ من عادتهم السّبّ.

 

وأهل الفساد لهم عبارات صريحة فاحشة يستعملونها. وأمّا أهل الصّلاح فإنّهم يتحاشون عنها بل يكنون عنها ويدلّون عليها بالرّموز فيذكرون ما يقاربها ويتعلّق بها ، ألم تر أنّ الله- عزّ وجلّ- كنى عن الجماع بألفاظ لا تخدش الحياء ولا تنشر الفاحشة فى المجتمع بل تربيه على العفاف فى اللفظ والسمع ، ولذلك استعمل ألفاظ مثل المسّ واللّمس والدّخول والصّحبة. "لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ"[2] " إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا"[3] "أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ"[4]"وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ"[5] " أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ"[6]وجاء فى السنة أبلغ تنفير من الحديث عن هذه العلاقة الحميمية وإفشاء سرها " فى الصحيح "عَسَى رَجُلٌ يُحَدِّثُ بِمَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ أَوْ عَسَى امْرَأَةٌ تُحَدِّثُ بِمَا يَكُونُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا فَلاَ تَفْعَلُوا فَإِنَّ مَثَلَ ذلك مَثَلُ شَيْطَانٍ لَقِيَ شَيْطَانَةً فِي ظَهْرِ الطَّرِيقِ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ"[7]

 

هذا وفى القرآن العظيم أبلغ تنفير وأبشع تصوير للبذاءة والفحش فى القول واللفظ ومن ذلك "لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً[8] ويوم الإفك قال تعالى" إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ[9]  "وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ[10] وهؤلاء الذين تكون منهم البذاءة عند العين الحمراء ، يرعوون وإلا أطلقوا لألسنتهم العناء"أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً[11] "ولا يكون بذيئا من كان وليا حميما "إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ[12]

 

وفى السنة المطهرة :البذاءة كمية من الشر كافية لهلاك صاحبها"لَيْسَ لأَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ فَضْلٌ إِلاَّ بِالدِّينِ أَوْ عَمَلٍ صَالِحٍ حَسْبُ الرَّجُلِ أَنْ يَكُونَ فَاحِشاً بَذِيّاً بَخِيلاً جَباناً»[13] " والبذاءة تنافي الإيمان فتخرج صاحبها إلى دائرة النفاق "الحَياءُ والعِي شُعْبَتانِ مِنَ الإِيمانِ والبَذَاءُ والبَيانُ[14] شُعْبَتانِ مِنَ النِّفاقِ)[15] ومن كان كذلك فلا يتم له إيمانه ولا يكمل له إسلامه ، «ليس المؤمن بالطّعّان ولا اللّعّان ولا الفاحش ولا البذيء»[16] ويكون عرضة لغضب الله "وإنّ الله ليبغض الفاحش البذيء»[17] وعليه يُبوئ لنفسه مقعدا فى النار" والبَذاءُ مِنَ الجَفاءِ والجَفاءُ فِي النَّارِ »[18] ، ويكون بمنأى عن محبة الله تعالى" فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَاحِشَ الْمُتَفَحِّشَ"[19]  وصورة البذيء قبيحة وأخلاقه مستقذرة منفرة «ما كان الفحش في شيء قطّ إلّا شانه، ولا كان الحياء في شيء قطّ إلّا زانه»[20] ). وتستحيل أو تكون الحياة معها على مضض وعلى صفيح ساخن فى الصحيح فى حديث " لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ، قَالَ:

 

: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي امْرَأَةً، وَإِنَّ فِي لِسَانِهَا شَيْئًا، يَعْنِى الْبَذَاءَ، قَالَ: فَطَلِّقْهَا إِذًا، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لَهَا صُحْبَةً، وَلِي مِنْهَا وَلَدٌ، قَالَ: فَمُرْهَا، يَقُولُ عِظْهَا، فَإِنْ يَكُ فِيهَا خَيْرٌفَسَتَفْعَلُ، وَلاَ تَضْرِبْ ظَعِينَتَكَ كَضَرْبِكَ أُمَيَّتَكَ"[21]ولذا كان النهي عن اليذاءة "لاَ تَهَجَّرُوا[22] ، وَلاَ تَدَابَرُوا، وَلاَ تَحَسَّسُوا"[23] والدعوة إلى هجرها «الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن،

 

ومن أقوال بعض السلف فى التنفير من البذاءة:1- «إنّ أبغض النّاس إلى الله كلّ طعّان لعّان»[24] ) ابن عمر- رضي الله عنهما

 

2- «ألأم شيء في المؤمن الفحش»[25] عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه-

 

3-«ألا أخبركم بأدوأ الدّاء: اللّسان البذيء، والخلق الدّنيء»[26] ) الأحنف بن قيس- رحمه الله تعالى

 

4-« يقال يؤتى بالفاحش المتفحّش يوم القيامة في صورة كلب أو في جوف كلب»[27] إبراهيم بن ميسرة- رحمه الله تعالى-

 

5-رأى أبو الدّرداء- رضي الله عنه- امرأة سليطة اللّسان، فقال: لو كانت هذه خرساء، كان خيرا لها)[28]

 

6-«خمس من علامات الشّقوة: القسوة في القلب، وجمود العين، وقلّة الحياء، والرّغبة في الدّنيا، وطول الأمل»[29] * الفضيل بن عياض- رحمه الله تعالى-

 

والبذاءة: دليل ضعف الإيمان وقلّة الدّين وخبث الطّويّة وقلّة الحياء.ومن كان كذلك فأي خير فيه، والبذاءة تؤدّي إلى إشاعة الفحش والفاحشة في المجتمع وتسبّب قلّة الأصحاب، وبعد الأهل والأحباب، فيعيش صاحبها منبوذا شقيا تعيسا تنباه الأعين وتنفرمنه الطباع.هذا وبالله ونسأله كما حسَّن خَلْقنا أن يُحسِّن أخلاقنا. 

 

 

 

[2] البقرة: 236

[3] الأحزاب : 49

[4] النساء : 43+ المائدة :6

[5] النساء : 21

[6] البقرة:187

[7] حديث رقم: 4008 في صحيح الجامع

[8] النساء: 148 مدنية

[10] الأحزاب: 19 مدنية

[11] الأحزاب: 19 مدنية

[12] الممتحنة: 2 مدنية

[13] أحمد (4/ 145) . وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وبقية رجاله وثقوا (8/ 84) »[13] ) (صحيح) انظر حديث رقم: 5419 في صحيح الجامع

[14] المراد بالبيان: كشف ما لا يجوز كشفه، أو المراد به المبالغة في الإيضاح حتى ينتهي إلى حد التكلف.

[15] الحاكم (1/ 9) وقال: هذا حديث صحيح على شرطهما ولم يخرجاه وقد احتجا برواته عن آخرهم. وقال العراقي في تخريج الإحياء: خرجه الترمذي وحسنه. والحاكم وصححه على شرطهما (3/ 121) . (صحيح) انظر حديث رقم: 3201 في صحيح الجامع

[16] الترمذي (1977) واللفظ له وقال: حسن غريب. وأحمد (1/ 405) رقم (3839) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح (5/ 322) . والحاكم (1/ 12) وصححه ووافقه الذهبي، وقال محقق «جامع الأصول» : هو كما قالا (10/ 757) ، كما عزاه أيضا لابن حبان كما في الموارد(صحيح) انظر حديث رقم: 5381 في صحيح الجامع

[17] الترمذي (2002) وقال: حسن صحيح. وقال محقق «جامع الأصول» (4/ 6) : إسناده حسن صحيح الأدب المفرد (ص: 177) صحيح، الصحيحة (876) ، الروض النضير (941)

[18] الترمذي (2009) وقال: حسن صحيح. والحاكم (1/ 53) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي. وابن أبي شيبة في كتاب الإيمان وقال محققه: حسن (14) . وذكره الدمياطي في المتجر الرابح (555) وعزاه أيضا لابن حبان. وقال محقق «جامع الأصول» (3/ 617) : إسناده حسن. (صحيح) انظر حديث رقم: 3199 في صحيح الجامع

[19] صحيح الترغيب والترهيب (2/ 355)

[20]  الترمذي (1974) وقال: حديث حسن. وابن ماجة (4185) . وأحمد (3/ 165) .

[21] حديث رقم: 7244 في صحيح الجامع

[22] لا تهجروا: أي لا تتكلموا بالهجر وهو الكلام القبيح.

[23] البخاري

[24] الإحياء (3/ 126)

[25]  روضة العقلاء (57)

[26] الإحياء (3/ 123) .

[27]  المرجع السابق (3/ 131) .

[28]  الإحياء (3/ 125) .

[29] مدارج السالكين (2/ 270) .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين