انتبهوا يا شباب الثورات العربية فالإرهاب الإسلامي قادم!

 

 

د.أحمد محمد كنعان

 

أجل .. انتبهوا .. فالإرهاب الإسلامي قادم ليسرق ثورتكم .. وها هم الإسلاميون قد أعدوا العدة لكي ينقضوا على ثورتكم في مصر وتونس ـ وبعدها بلدان عربية أخرى ـ لكي يستولوا على السلطة تحت ستار الانتخابات الديمقراطية التي تريدون إجراءها بعد نجاح ثورتكم ، وليس هذا مجرد ظن ولا رجماً بالغيب ، وإنما هو اليقين بعينه ، ويكفيكم دلالة على ما نقول ما جرى في الجزائر في ثمانينات القرن الماضي حين فازت "جبهة الإنقاذ الإسلامية" فوزاً كاسحاً سهلاً بالأغلبية الساحقة في أول انتخابات نزيهة شفافة تجري هناك ، فهذا السيناريو مرشح للإعادة اليوم لكي يعود الإسلاميون بزخم أكبر فينقضوا على ثورتكم ويحتلوا مقاعد البرلمان ومقعد الرئاسة بدلاً عنكم ، وعندئذ سوف ترون الإرهاب على أصوله ، لأنهم فور وصولهم إلى السلطة سوف يعلنون "إمارتهم الإسلامية" ويفرضون عليكم "تطبيق الشريعة" ، فيقتلون "المرتدين" ويقيمون "الحدود" ، ويغلقون دور المسرح والسينما ومراكز الثقافة والفن ، ويفرقون بين المفكرين وزوجاتهم ، ويخربون البيوت فوق رؤوسكم ، "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" فما أنتم فاعلون .. يا شباب الثورات العربية ؟
 
أجل .. يا شباب الثورات العربية .. إن الإسلاميين قادمون لا شك في هذا .. ولم لا ؟ وهم يشكلون أكبر شريحة سياسية فاعلة في المجتمع العربي ، ويمتازون بدقة التنظيم ، والطاعة العمياء لمشايخهم ، ولديهم رصيد مالي ضخم ، وهم قادرون في فترة قصيرة جداً على جمع تبرعات بالملايين إن لزم الأمر ، وهذه هي العدة الحقيقية للفوز بأية انتخابات ديمقراطية ، وهي كذلك العدة اللازمة للاستيلاء على السلطة .. وسوف يفعلونها .. أقسم سوف يفعلونها !
 
أجل .. يا شباب الثورات العربية .. إنهم قادمون .. ولم لا ؟ و "كتابهم المقدس" الذي يتلونه ليل نهار يدعوهم بكل صراحة ووضوح ودون مواربة أن يكونوا "إرهابيين" ويطلب منهم أن يعدوا العدة للإرهاب فيقول لهم ( وأعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُم من قوةٍ ومن رباطِ الخيلِ تُرْهِبونَ بهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُم ) ، وليس هذا فحسب ، بل هو يدعوهم إلى شنِّ حرب لا هوادة فيها على الكفار والمشركين كافة فيقول لهم ( وَقاتِلوا المُشْركينَ كافَّةً ) ، وهو لا يتوقف عند هذا الحد بل يبين لهم الخطة فيعلمهم أن يبدؤوا بمحاربة "جيرانهم" والقضاء عليهم بكل غلظة وجلافة فيقول (يا أيَّها الذينَ آمَنُوا قاتِلوا الذينَ يَلونَكُمْ من الكُفَّارِ وَلْيَجِدوا فيكُمْ غِلْظَةً) وحجته في دفعهم للقتل والإرهاب والتدمير هو درء الفتنة ( وَقاتِلوهُم حتَّى لا تَكونَ فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينُ للهِ ) فإذا علمنا أن المجتمع العربي يتكون من فسيفساء مختلط من الأديان والمذاهب والملل والنحل والإثنيات التي يعتبرها "كتاب المسلمين المقدس" كافرة بالجملة ، إذا علمنا هذا أدركنا أن الإسلاميين حين يصلون إلى السلطة ـ كما تشير كل الدلائل ـ فسوف يقضون على نصف الشعب العربي قبل أن تستقر الأمور في أيديهم ويقيموا "إمارتهم الإسلامية" المنشودة .. فهل هذه هي الأهداف التي قامت من أجلها ثورتكم يا شباب الثورات العربية ؟ وهل هذه هي النتيجة التي ضحيتم بأرواحكم من أجلها ؟!
 
نعم .. هذه هي بعض الافتراءات التي تمخضت عنها حلقة كاملة لأكثر من ساعتين على إحدى القنوات الفضائية العربية قبل أيام ، والتي بدا أن القائمين عليها لم يألوا جهداً في حشد أكبر عدد ممكن من المناوئين للإسلام من أجل تقديم هذه الصورة المرعبة عن الإسلاميين إذا ما فازوا بالانتخابات ووصلوا إلى السلطة في الانتخابات الموعودة التي سوف تجري في البلدان العربية التي تحررت مؤخراً من نير الاستبداد !
وليس في هذاه الافتراءات غرابة ، فإن أعداء الإسلام ما فتئوا يجمعون صفوفهم ويحشدون جهودهم لتشويه سمعة الإسلاميين تمهيداً للقضاء على الإسلام نفسه ، وهو هدف قديم ظل أعداء الإسلام يعملون عليه منذ فجر الإسلام ، لكنهم في كل مرة كانوا ينقلبون خاسرين خاسئين بفضل الله عز وجل .
وليس في هذا غرابة كما قلنا ، لكن الغرابة حقاً في الغباء الإعلامي الذي يتخلل مثل هذه الحلقات المغرضة ، والذي في غمرة حماسته ضد الإسلام يغفل عن كثير من الحقائق التي يصرح بها المشاركون في الحلقات نفسها ، وهي حقائق تؤكد أن الإسلاميين ليسوا على هذه الصورة المشوهة المرعبة التي يريد الإعلام توصيلها إلى المشاهدين ، ونحن هنا لا ننطلق من تعاطفنا مع الإسلاميين وإنما ننطلق من أقوال المشاركين في الحلقة أنفسهم على مبدأ ( من فمك أدينك ! ) ويكفي هنا أن نتوقف عند بعض مشاهد تلك الحلقة للدلالة على ما نقول :
1.    فقد أعرب المشاركون في الحلقة عن مخاوفهم من وصول الإسلاميين إلى السلطة لأنهم يشكلون أكبر شريحة مؤثرة في الساحة السياسية العربية ، مما يجعلهم "المرشح رقم واحد" في أية انتخابات ديمقراطية قادمة ! وهذه نقطة تحسب للإسلاميين ، لا ضدهم ، فلو لم يكن الإسلاميون أصحاب سلوك وأخلاق ومبادئ مقبولة عند عامة الناس لما كان لهم هذا القبول والانتشار وتشكيل أكبر الشرائح الفاعلة في المجتمع ، ومن ثم فإن التخويف منهم لأجل أقصائهم عن الساحة يعني إقصاء الشريحة الأكبر والأهم في المجتمع ، فهل هذه هي الديمقراطية التي يتبجح بها المغرضون ويتباكون عليها ؟!
2.    حذر المشاركون في الحلقة من قدرة الإسلاميين على جمع المال عن طريق التبرعات ، مما يعطيهم قدرة هائلة على الفعل والتأثير في المجتمع ! وهذا أيضاً يحسب للإسلاميين ، لا عليهم ، فالمال عزيز على النفس البشرية كما نعلم ، ولا يتبرع الإنسان بالمال إلا إذا كان واثقاً من الجهة التي يتبرع لها ومقتنعاً بالهدف الذي يتبرع من أجله ، ومادام الإسلاميون قادرين على جمع المال الوفير بهذه السهولة فهذا يعني أنهم يعملون لأهداف كبيرة يؤمن بها غالبية المجتمع ، بينما يخفق غيرهم بجمع المال إلا تحت الضغط والسلطة القاهرة والقانون !
3.    أما الاستشهاد بما جاء في "كتاب المسلمين المقدس" على حد تعبير أحداهن في الحلقة فهو توظيف مغرض لنصوص القرآن الكريم ، وهو قطع للنصوص عن سياقها ، كالذي يقرأ (ولا تقربوا الصلاة) ولا يكمل الآية . فقد أرادت تلك المتحدثة من قطع تلك النصوص عن سياقها أن تقدم للمشاهدين صورة مرعبة عن الإسلاميين تظهرهم في صورة جلاد يقف على قارعة الطريق لينشر الإرهاب ، ويقيم الحدود ، ويقطع الرؤوس ، ويقضي على نصف المجتمع ، وهي بلا ريب صورة بالغة التشويه تدل على مقدار الحقد على الإسلام في نفس تلك المتحدثة وأشباهها ، فالقتال في الإسلام له ضوابط مشددة ، وله قيود وشروط ، ولكل نص من النصوص التي تتحدث عن القتال سياق يعمل فيه ، وقد شهد الأعداء قبل الأصدقاء أن ( التاريخ لم يشهد فاتحاً أرحم من العرب ) وهو بطبيعة الحال يعني المسلمين إبان فتوحاتهم العظيمة لنشر راية التوحيد .. وما القتال في الإسلام إلا وسيلة لردع المعتدين ، ونصرة المظلومين ، وليس أداة لتصفية الخصوم وقتل المخالفين وترويع الآمنين كما فعل أصحاب الشعارات الخادعة الذين اكتوينا بنارهم طوال العقود الماضية ، والذين يعمل الإعلام الغبي اليوم من أجل عودتهم إلى السلطة ، من خلال تشويه سمعة الإسلاميين وقطع الطريق عليهم حسب ظنه .. فتأمل !
4.    مادام الإسلاميون يشكلون الشريحة الأكبر في المجتمع ـ كما صرح أكثر المشاركين في الحلقة ـ فإن التخويف والتهويل من وصولهم إلى السلطة هو الإقصاء بعينه ، وهو عمل ضد الديمقراطية التي تبجح بها المشاركون في الحلقة وفي الحلقات المشبوهة المماثلة ، فأي الفريقين أكثر إيماناً بالديمقراطية ؟ أولئك الذين يريدون إقصاء أكبر شريحة من المشاركة في العمل السياسي ؟ أم الذين قبلوا المشاركة وأعلنوا بصراحة قبولهم بنتائجها مهما كانت ؟!
5.    وأخيراً .. وليس آخراً ، لقد جربت أمتنا كل أشكال الحكم ، من الرأسمالية إلى الماركسية إلى القومية إلى الاشتراكية إلى البعثية .. فما ذاقت من أولئك جميعاً إلا المرَّ والعلقم والاستبداد والقهر والتخلف والفقر الذي جعلها آخر الأمم بعد أن كانت سيدة الدنيا ، وها هي أمتنا اليوم على موعد مع عهد جديد تريد فيه أن تمارس فيه ـ لأول مرة منذ الاستقلال ـ حقها في اختيار من يمثلها ومن يحكمها ، فلماذا نستبق الأحداث ؟ ولماذا نصادر إرادة الأمة سواء اختارت الإسلاميين أم اختارت .. العفاريات الزرقاء ؟! خبرني يا طير !

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين