انتبهوا أيها المتحدّثون باسم الإسلام

مبكرا بدأ الباحثون الاستراتيجيون على مستوى العالم بدراسة ما يمكن أن تؤول إليه صورة العالم في المجالات السياسية والاقتصادية بعد كورونا، وهناك رأي سائد أن العالم سيشهد تغيرات جوهرية في مختلف المجالات.

من زاوية اهتمامي وتخصّصي، أؤكّد أن الحالة الدينية لن تكون بمعزل عن هذه التغيّرات.

الذاكرة التاريخية تقول: إن الأوبئة الخطيرة لم تغادر العالم إلا بعد أن أخذت معها كثيرا من المظاهر والظواهر الدينية، وأوضح مثال على هذا؛ التغيّرات الدينية الكبيرة التي شهدتها أوربا بعد (الطاعون الأسود)، والتي أسهمت فيما بعد بنقض سلطة الكنيسة، وفك احتكارها للدين، ودخول أوربا في عصر (العقلنة).

تغيّر المزاج الأوربي تجاه سلطة الكنيسة، كان سببه الأساس فشل الكنيسة وعجزها عن إيجاد الحل، بل كانت توجيهاتها المستندة إلى (التحليلات الغيبية) سببا في ازدياد الوباء، في مقابل التجربة العقلانية والعلمية التي أثبتت نجاحها، ومن هنا بدأت الدعوة عندهم إلى ضرورة فصل (الدين) عن (العلم) و فصل (الدين) عن (السلطة) لتشق أوربا طريقها في صناعة ما عرف بـ (النظام العلماني).

كورونا اليوم يطرح الأسئلة ذاتها التي طرحتها الأوبئة السابقة، وفي ضوء طريقة (الدين) في إجابته على هذه الأسئلة ستتشكل الحالة الدينية الجديدة، مع الانتباه هنا إلى أن (التجربة الصينية) ستضيف عنصرا جديدا في المعادلة، قد تكون لصالح (العلمانية الملحدة) التي لا تكتفي بعزل الدين عن الحياة، خاصة إذا فشلت أوربا، وإيطاليا بالذات (مهد المسيحية الجديدة) في مقابل النجاح الصيني المبهر.

الإسلام يفترض أنه في منأى عن هذه التغيّرات، لأن خطابه في الأساس خطاب يتوافق مع العقل والعلم وقواعد الحياة السليمة، لكن الحقيقة أيضا أن (الطاعون) جاء هذه المرة والخطاب الإسلامي يعاني من حالة ارتباك وتراجع، والفصل بين الإسلام الذي هو دين الله، وبين الخطاب الذي يتبناه (المشايخ) والدعاة الإسلاميون بحاجة إلى وعي مجتمعي، ومع تراجع هذا الوعي أيضا فإننا نواجه مشكلة حقيقية ينبغى على المفكّرين الإسلاميين ملاحقتها بدقة وعمق.

كورونا سيعصف بلا شك بالتحليلات والمعالجات الباطنية الغيبية التي تدّعي نوعا من (العرفان) والاتصال بعالم الغيب عن طريق (الشيخ) أو (الإمام)، وادّعاء أن (المسجد) أو (المزار) ملاذ آمن بوجه كورونا.

ويلحق بهذا بدرجة أخف الخطاب الوعظي المجرّد، التائه في مساحة شاسعة من الافتراضات ما بين التبشير بأن هذا ابتلاء من الله (وإذا أحب الله عبدا ابتلاه) والتخويف بأن هذا علامة على (غضب الله)، ونحو هذا القرآءات الخاطئة والناقصة لمسألة الإيمان والتوكّل والدعاء، مثل ذلك الذي يتحدّث عن (الكمّام الربّاني) ويقصد الأدعية المأثورة التي يجعلها في مقابل (الكمام الطبي) أو (الكمام المادي)!!

نعم إن الدين من حيث هو دين بالأصل هو (إيمان بالغيب) ولا معنى للدين من دون هذا، ولكن الإيمان بالغيب شيء، والتحليلات والمعالجات الغيبية المناهضة للعقل والعلم شيء آخر.

ختاما: إن الخطاب الإسلامي يمر في اختبار مصيري وخطير، وكل كلمة أو دعوة أو تغريدة من فقيه أو داعية أو مفكر أو واعظ ستترك أثرا ما في نتيجة هذا الاختبار.

كما أن حالة الفراغ الديني الذي سيتعزز بهزيمة التدين الكهنوتي والباطني سيوفّر فرصة كبيرة للخطاب الديني العقلاني والمعتدل الذي يلامس فطرة الإنسان، ويلبي احتياجاته المختلفة كإنسان مهما كان انتماؤه وتوجهه (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

آمل بعد هذا أن يرتقي خطابنا الإسلامي إلى مستوى التحدي، وأن يرتقي أيضا إلى مستوى الفرصة.

اختصارا: نحن في معركة، وأنت على ثغرة، إياك إياك أن نؤتى من قِبلك.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين