الوزير نظام الملك

الوزير نظام الملك (408 -485 هـ)

عبد المعين الطلفاح

إن ذكر نهوض دولة السلاجقة مقرون دائمًا بذكر الوزير نظام الملك، لذا نجد كل من يكتب عن السلاجقة يقف على ذكر الوزير الصالح: نظام الملك، الذي كان له دور عظيم في نهوض دولتهم، بل وفي نهوض الأمة الإسلامية كلها؛ دور لا يقل أهمية عن دور القادة السياسيين والعسكريين، وذلك من خلال المشروع النهضوي الذي قدمه للأمة. 

الوزير نظام الملك: هو الحسن بن علي الطوسي، وزر للأمير ألب أرسلان، ولابنه ملكشاه من بعده، دامت وزارته قرابة الثلاثين عامًا، كان لهما وزير رشد وخير، قضى عمدة حياته في سبيل نشر الإسلام، والذود عنه، وكان عالـمًا مجتهدًا، مهتمًا بالحديث وسماعه، وإضافة لذلك فقد كان سياسيًا بارعًا، مطلعًا على تاريخ الأمم، عارفًا بأحوال مجتمعه ومحيطه، لذا أخذ بأسباب نهوض الدول والأمم، حتى استطاع أن يحقق النجاح لمشروعه النهضوي في الأمة.

كان السلاجقة قد ورثوا في فارس والعراق نفوذ البويهيين الشيعة، الذين لم يألوا جهدًا في نشر مذهبهم الباطني فيهما، وكانوا قد غضوا الطرف عن نشاط دعاة الإسماعيلية فيهما أيضًا، وأنشأ كلٌّ منهما مراكز ومؤسسات تعليمية للترويج لعقائدهم؛ فأشار الوزير: نظام الملك على الأمير: ألب أرسلان أن الاقتصار على محاربة هؤلاء الباطنية سياسيًا وعسكريًا، غيرُ كافٍ للقضاء على نفوذهم، وآثار دعوتهم؛ ولا بد من مقاومتهم مقاومة فكرية علمية، وذلك بإقامة نشاط سُنِّي مماثل، يتصدى لهم بالحجة والبرهان؛ فوافقه ألب أرسلان على ذلك، وسخر له أموال الدولة؛ فأنشأ نظام الملك ما عرف في التاريخ بـ: (المدارس النظامية) في كل من العراق وفارس، وبلاد ما وراء النهر، وضع لها نظامًا إداريَّاً غاية في الدقة والانضباط، وجعل لها مناهج دراسية تحقق الهدف من إنشائها، ثم اختار أعلامَ عصره أساتذةً لها، كالإمام: أبي إسحاق الشيرازي: (ت: 476 هـ)، والإمام الجويني: (ت: 478 هـ)، وشيخ الإسلام الهروي: (ت: 481 هـ)، والإمام الغزالي: (ت: 505 هـ)، والإمام البغوي: (ت: 516 هـ)، وغيرهم كثير، وأوقف عليها الأوقاف الكثيرة؛ لتقوم بنفقاتها، وقد استطاعت هذه المدارس أن تتصدى للمشروع الباطني وتسقطه، وترفد الدولة والمجتمع المسلم بخيرة القادة والمصلحين؛ فحنق الباطنية على نظام الملك حنقًا شديدًا، وما زالوا به حتى اغتالوه سنة: (485 هـ) (*).

 

(*) ينظر: محبوبة، عبد الهادي محمد، نظام الملك كبير الوزراء في الأمة الإسلامية (القاهرة: الدار المصرية اللبنانية، ط 1، 1419/1999) ص: 353، وينظر: فوزي، الخلافة العباسية السقوط والانهيار، مصدر سابق، 2/172، وينظر: الصلابي، دولة السلاجقة، مصدر سابق، ص: 313 وما بعدها، وينظر: أمين، حسين أمين، تاريخ العراق السلجوقي (بغداد: مطبعة الإرشاد، 1385/1965) ص: 220.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين