الوجوب الشرعي لإغاثة أهل سوريا

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:

فإغاثة أهل سوريا خاصة العائلات النازحة التي لا تجد قوت يومها واجب شرعي، وهو الآن من فروض الكفايات على القادرين من الأمة أن يغيثوهم، فيطعموهم من جوع، ويكسوهم من عري، ويدفئوهم من برد، ويداووهم من مرض، إذ تمثل تلك الأمور رتبة الحاجة التي تنزل منزلة الضرورة، خاصة مع قدوم فصل الشتاء وانخفاض الحرارة لتصل إلى البرد القارس. فكان واجبا على كل مسلم قادر على الإغاثة أن يخرج من ماله ما يسد به حاجة هؤلاء.

وقد اتفق الفقهاء على أن المسلم إن علم حاجة أخيه، وغلب على ظنه أنه يهلك إن لم يغثه كان آثما عند الله تعالى.

والأدلة على ذلك:

أولا- أن هذا من واجب الولاية بين المسلمين، كما قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 71]

ووجه الدلالة أن من لوازم الولاية قيام المسلمين بسد حاجات إخوانهم، فيما يتعلق بدينهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقام الصلاة، وفيما يتعلق بدنياهم من سد حاجاتهم من خلال الزكاة والصدقة.

ثم إن من طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما في الآية القيام بسد حاجات الفقراء من المسلمين.

ثانيا- أنه من التعاون على البر:

ومن دلائل وجوب إغاثة المحتاجين قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [المائدة: 2].

ووجه الدلالة أن الآية أوجبت التعاون على البر والتقوى، والبر اسم جامع لكل فعل خير، ومنه إغاثة الملهوف.

ثالثا- توفير الحاجات وسيلة لعبادة الله:

ومن دلائله قوله تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ . الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 3، 4]

ووجه الدلالة أن توفير المطعم والأمن من الوسائل المعينة على طاعة الله تعالى، ولما كان التعاون على الطاعة واجبا، كانت الوسائل إليه واجبة؛ لما تقرر في قواعد الفقهاء:" مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب"، فكيف يتفرغ المحتاجون للطاعة وقلوبهم مشغولة بتوفير الطعام والشراب والدواء والكساء.

وقد قال الله عز جل:(لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)،قيل في معنى المعروف : هو إغاثة الملهوف  .

رابعا- إيجاب السنة لإغاثة الملهوف:

وقد ترجم البخاري في الأدب المفرد باب ما يجب من عون الملهوف، فعن سعيد بن أبي بردة قال: سمعت أبي يحدث عن جدي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على كل مسلم صدقة) قال: أفرأيت إن لم يجد؟ قال: (فليعمل، فلينفع نفسه وليتصدق) قال: أفرأيت إن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: (ليعن ذا الحاجة الملهوف) قال: أفرأيت إن لم يستطع أو لم يفعل؟ قال: (فليأمر بالمعروف).

ووجه الدلالة أن ما ترجم به البخاري من وجوب عون الملهوف، ومن قوله صلى الله عليه وسلم " فليعمل، فلينفع نفسه وليتصدق"، والتصدق يكون أوجب على الأكثر حاجة.

وفي حديث أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا ينظر إليهم ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم -  وذكر منهم - رجل على فضل ماء بالفلاة يمنعه من ابن السبيل )   .

وفي رواية للبخاري : ( ورجل منع فضل ماء فيقول الله عز و جل يوم القيامة : اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك )  .

ووجه الدلالة: أن من كان له فضل مال واحتاج إليه إخوته وخشي عليهم الإشراف على الهلاك، كان واجبا عليه أن يخرج من ماله ما يسد به حاجتهم، حتى لو كلفه ذلك كله ماله.

وفي الحديث الصحيح عن النبي عليه الصلاة والسلام : ( المسلم أخو المسلم ؛ لا يظلمه ، ولا يُسْلمه ، و من كان في حاجة أخيه المسلم ، كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة من كرب الدنيا ؛ نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ).

ووجه الدلالة: أن التفريج عن كربات المسلمين من الواجبات الشرعية التي يثاب عليها المسلم يوم القيامة، كما أنها من حقوق الأخوة في الإسلام. 

خامسا- وجوب إغاثة الملهوف عند الصحابة:

فالإغاثة واجبة على ذي السعة إذا تعين لها ، وقد استغاث عمر عام الرمادة بعماله يزيد بن أبي سفيان ، وأبي موسى الأشعري ، وسعد بن أبي وقاص ، ومعاوية بن أبي سفيان ، وعمرو بن العاص ، فأغاثوه.

وقد كان عمر رضي الله عنه ، يضرب بطنه في عام المجاعة ويقول : قرقر أو لا تقرقر ، والله لا ذاق عمر سمنا ولاسمينا حتى يخصب الناس.

ووسائل الإغاثة كثيرة، من أهمها دفع مال الزكاة لهم، ويجوز في مثل هذه الحالة إخراج الزكاة إلى غير البلد المزكي، فإن لم تكف أموال الزكاة وجب على الأغنياء وجوبا شرعيا إخراج مال زائد عن الزكاة، وهذا ليس من باب التفضل، بل هو من باب الوجوب الذي يؤجر فاعله ويأثم تاركه، وكذلك يخرج الأغنياء ومن كان عنده مال من الصدقة على المحتاجتين حتى تسد حاجاتهم؛ رعاية لحق الأخوة التي قال الله تعالى فيها : {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].

فعلى المسلمين وجوب النفير لإغاثة المحتاجين ، كل حسب استطاعته، حتى نسد حاجات إخوتنا فيما يقيم أنفسهم على قيد الحياة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين