الهدية الواجبة بدعة فاسدة

أجمع العلماء على أن صلة الرحم واجبة، وأن الهدية مُستحبة ! فجعل كثير من الناس الصِّلَة مستحبة والهدية واجبة، فإن لم تكن هديةٌ فلا صِلَة، فأيُّ فقهٍ سيءٍ هذا عن اللهِ ورسولِه؟!

 

أخي:

لم يكلفك الله إلا وُسْعَك؛ لِتَصل دَومًا رَحِمَك، ولو بلا هدية، فعند العقلاء: صلتك أَجَلُّ عَطِيَّة، وسُؤَالُك عنهم أَثمنُ هديَّة، وَأبشرُكَ بأن عسرك لن يطول، فَهُوَ إلى زَوالٍ وأُفُول، قال الله تعالى: {فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} [الطلاق: 7]!

أيحجزك الحياء من المخلوق عن إنفاذ أمر الخالق؟! أتخشى ألسنةً لاذعة بأزيد من خشيتك لربك؟! فَصِل رَحِمَك بِحَدِّ قدرتك، رضوا أم سخطوا، وتأمل دومًا ما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَى عَنْهُ النَّاس، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَسْخَطَ عَلَيْهِ النَّاس "[ رواه ابن حبان في صحيحه]!

هب أنك زرت ثريًا من أرحامك وأنت فقير، هل قُدرَتُكَ كَقُدْرَتِه؟! أو هَدِيَّتُكَ كَهَدِيتِه؟! فإياك وارتداء ثوب غيرك؛ لئلا تكون كَذَاك الذي أخبرني أنه قال لزواره يومًا: ارجعوا بِهَديتكم؛ فإني أعجز عن قضائها لكم !

 

 

يحصل أن يُمنَعَ المرءُ من وِصَالِ أرحامه؛ كأن يكون رَحِمُهُ غنيًا أو صاحبَ منصبٍ، فلا يحب أن يصله أقرباؤه؛ خوفًا على ماله، وتكبرًا عليهم، فإثم القطيعة هنا على المَانع لا على الممنوع، والله أعلم،،،

 

 

تهيأ لِعُقوبةٍ قريبة:

أخرج الترمذي وابن ماجه في سننيهما من حديث أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِى الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْىِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ " [سنن الترمذي، رقم الحديث: (2511)، ص (565)، سنن ابن ماجه، رقم الحديث: (4211)، ص (699)].

 

إنَّ قطيعة الرحم تُوجِبُ العقابَ في الدنيا، فضلًا عن العقاب في الآخرة، وفي قول أبي أوفى: إن الرحمة لا تنزل على قوم فيهم قاطع رحم !

 

 

إليك أسطر خبرًا يبكي القلوب القاسية، والعيون الجافة !

أعرف رجلًا وأمه وزوجته، يسكنون في بيت واحد، والسعادة تسربلهم من كل جانب، وَقَدَّرَ الله لأم الرجل أن يرزقها الله مالًا كثيرًا، فطمعت فيه زوجة ابنها طمعًا كبيرًا، فعكفت على سلبه منها بدهاء ومكر، فتارة تذكر لها تأثيث البيت، وأخرى ترميم المسكن، إلى أن انتهى المال، فقررت التخلص منها، فكلمت زوجها في دفعها إلى أخيه، فوافق بكل أسف !

فانتهزت الزوجة خروجها لحاجة؛ فَجَمعت متاعها، فلما حضرت أَمرتْهَا بالذهاب لابنها الآخر؛ بِذَريعة كثرة بقائِها في البيت لوحدها، وهذا يَشُقُّ عليها، فَصُدِمَت الأم المكلومة ولم تتكلم، وخرجت وقد أثقلها الهمُّ، وأحاط بها الغمُّ، وهَزَّها الألم الجم، فما إن وصلت لابنها الآخر نامت، ويبدو أنه لم يعبأ بها، أو يهتم لحالها، وبعد يومين من يومها، تبين له أن أُمَّهُ قد ماتت ! وقد أحسن إليها من أحسن، وأساء من أساء !

 

وسبحان المنتقم العَلَّام، القيوم الذي لا ينام، فو الله إن العائلة التي طَرَدت الأم تَشَتتت، وسعادتها ذهبت، وسُمعتها سُلِبَت، بل عاشت الهمومُ معهم، وأبت الخروجَ من بيتهم، وما زال الناس يتناقلون هيمنتهم، وخُبث سيرتهم !

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين