الهدى والضلال ـ 2 ـ

 

ـ 2 ـ
الشيخ مجد مكي
إنَّ الله تعالى بحكمته خلق الخلق ومنحهم الإرادة الحرة؛ ليمتحنهم وليبتليهم، ودعاهم إلى الهدى، وهداهم إلى الحق.
وقد أوضح الله لعباده طريق الهدى، وحذَّرهم من سلوك طريق الضلال حتى يعرف الناس ما هو مطلوب منهم في رحلة امتحانهم في الحياة الدنيا، ولا يكون لهم عذر بالجهل.
قال الله تعالى:[إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى(12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالأُولَى(13) ]. {الليل}..
ولقد أودع الله عزَّ وجل في نفس الإنسان خصائصَ القدرة على إدراك الخير والشر، والهدى والضلال، والحق والباطل، فأرشده إلى طريق الهدى، ليكون بعد امتحانه إما شاكراً لله بالإيمان والإسلام والعبادة، وإما مبالغاً في الكفر وجحود نِعَم الله تعالى عليه.
قال تعالى في الإنسان:[إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا] {الإنسان:3}.
الهدى والضلال بمشيئة الله سبحانه:
إنَّ الهدى بيد الله تعالى، يهدي من يشاء ويضل من يشاء، ومشيئته سبحانه لا تنفكُّ عن حكمته.
وممَّا يؤكد أنَّ الهدى بيد الله تعالى، يهدي من يشاء، ويضل من يشاء بحكمته ، ما نرى ونسمع من ضلال بعض أبناء المسلمين وكفرهم بالله وإلحادِهم في دين الله، وقد ولدوا في بيوتٍ مسلمةٍ،وفي بلاد إسلامية، وأسماؤهم أسماءُ المسلمين، ثم ما نرى ونسمع من اهتداءِ كثيرٍ في بلاد الشرق والغرب، ممَّن نشؤوا بعيدين عن الإسلام، وفي بيئاتٍ كافرةٍ متحللة، ومجتمعاتِ إلحادٍ وانطلاق، وصدق الله عزَّ وجل: [وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {يونس:25}. فهو سبحانه يهدي هداية توفيق ومعونة بمشيئته التي لا تفارق حكمته وعلمه بما في نفوس عباده من خيرٍ إلى دين الإسلام الموصل إلى دار السلام.
قال الله تعالى:[ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {البقرة:213}.
فالله عزَّ وجل يختار من عباده لهذا الصِّراط المستقيم من يشاء ممَّن يعلم منهم الاستعداد للهدى، والاستقامة على الصِّراط.
ويقول سبحانه في سورة الأنعام:[ مَنْ يَشَأِ اللهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ] {الأنعام:39}. أي: مَنْ يشأ الله الحكم عليه بالضلال لأنه قد ضلَّ بإرادته، يحكم عليه بالضلال، و مَنْ يشأ الله الحكم له بالهداية، لأنه اهتدى بإرادته، يحكم الله له بالهداية، والسَّيْر في حياته على طريق مستقيم.
ويقول سبحانه في في سورة الأنعام:[قُلْ فَللهِ الحُجَّةُ البَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ] {الأنعام:149}.
ويقول سبحانه في سورة النحل:[ وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ].
فالله سبحانه لو شاء لسلبنا إراداتنا الحرَّة، وجعلنا مجبورين لا اختيار لنا، فنكون مهديين كالملائكة، ولكن ذلك يلغي حكمة ابتلائنا في الحياة الدنيا.
ويقول عزَّ وجل في سورة الكهف:[ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا] {الكهف:17}. ومعنى هذه الآية وأمثالها في كتاب الله: مَنْ يحكم الله له بالهداية، لأنه اهتدى، باختياره الحر، فهو المهتدي الذي يعتني الله به ويحميه، ويُثيبه ثواباً عظيماً يُرضيه، ومَنْ يحكم عليه بالضلالة، لأنه ضلَّ باختياره الحر، فلن تجد له في الوجود كلِّه ناصراً ينصره، فيحكم له بالهداية ويوفقه حتى يكون رشيداً في مسيرته في الحياة الدنيا.
وقد خاطب الله تعالى المؤمنين، حين حَرَصوا على هداية قوم فلم يهتدوا: [أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا] {النساء:88} ومعنى هذه الآية : أتريدون ـ أيها المؤمنون المنخدعون بالمنافقين المتخلِّفين عن الهجرة ـ بتقديم الأعذار لهم ، وتحسين الظنِّ بهم ، أن تنسبوهم إلى الهداية ، مع أن الله تعالى قد أثبت لهم الضلال ، ومكَّنكم من الحكم عليهم بذلك ، استدلالاً بأقوالهم وأفعالهم التي تكشف عن حقيقة كفرهم . ومن يحكم الله عليه بالضلالة حكماً مستنداً إلى علمه وحكمته وعدله فلن تجد له ـ أيها الراغبب في تبرئته ـ سبيلاً لتبرئته مما هو عليه من الكفر المحقق الذي ظهرت دلائله.
***

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين