الهجرة بين القائد الفذّ والزعيم الأوحد

 

 

 

في الهجرة النبويَّة وظَّفَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلَّم طاقاتِ وقدراتِ شرائح المجتمع كافَّةً في صناعة هذا الحدث المفصَليّ, الشّابُّ الفدائيّ علي بن أبي طالبٍ للنَّومِ في فراشِه ورَدِّ الودائعِ لأصحابِها, والتَّاجرُ والوَجِيهُ في قومِه أبو بكرٍ الصدّيق لصُحبَةِ الطَّريق, والشَّابُّ المثقَّفُ الواعي عبدالله بن أبي بكر لمتابعةِ تدبيرِ قريشٍ, وجمعِ المعلوماتِ حولَ مكرِها ونقلِ الخلاصة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلّم, والمرأةُ أسماءُ بنتُ أبي بكر ـ وهيَ في شهورِ حملِها الأخيرة ـ لنقلِ الزَّادِ إلى الغار, وراعي الغنم عامر بن فهيرة الموظّف عندَ أبي بكرٍ للتَّعفِيَةِ على آثارِ الأقدامِ في إطارِ الإجراءاتِ والاحتياطاتِ الأمنيَّة, حتَّى الكافرُ الموثوقُ عبدالله بن أريقط كانَ جزءاُ من العملِ إذ كانَ الدَّليل في الطَّريق.

 

هكذا هيَ الأحداثُ المفصليَّةُ, والتحوّلاتُ التاريخيَّةُ, لا يصنعُهُا قائدٌ بمفرَدِه ولو كانَ فذَّاً في القدرة والطَّاقةِ والإبداع, بل إنَّ القائدَ الحقيقيَّ هوَ الذي يُشرِكُ مختلفَ الشَّرائحِ في الأمَّة فيصهرها في فريقٍ متماسكٍ, تتمازجُ أرواحُ أفرادِه, وتتكاتَفُ قدراتُهم, وتتعاضَدُ طاقاتُهم, وتتكاملُ خبراتُهم, فتُثمرُ فِعَالُهُم ـ بتوفيقِ الله تعالى ـ إنجازاتٍ تسري عبرَ الزَّمانَ آثارُها.

 

فهل وَعَى ذلكَ العامِلُون ؟!!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين