الهجرة النبوية في ديوان النصرة (1/2)

عندما ظهرت الرسوم الساخرة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والمسيئة إليه؛ هبَّ المسلمون في كل مكان دفاعاً عن نبيهم ورسولهم الذي يحبونه أشد من حبهم لآبائهم وأبنائهم وأنفسهم. وقد عبروا عن ذلك بأساليب مختلفة كل حسب طبيعته وتخصصه وقدرته، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.

وكان الأدباء عامة، والشعراء خاصة؛ سباقين في الذبِّ عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، متأسين في ذلك بشعراء الإسلام في العصر الأول؛ حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة وغيرهم رضي الله عنهم، ولسان حالهم ومقالهم كلهم يقولون ما قال حسان رضي الله عنه:

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

وقد شجعت بعض المؤسسات الشعراء بإجراء مسابقات شعرية حفزتهم على المنافسة في تجويد القول في ذلك، فأعلن مركز سعود البابطين الخيري للتراث والثقافة عن مسابقة (ديوان النصرة) التي شارك فيها مئات الشعراء، فوصلت عدد القصائد المشاركة في المسابقة خمس مئة قصيدة، فازت منها مئة وسبع وثلاثون قصيدة لدخول الديوان، مما يعد تجديداً لفن المديح النبوي بأسلوب معاصر، يضاف إلى التراث الشعري

الضخم في هذا الباب منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم. وهي ظاهرة جديرة بالدراسة الموضوعية والفنية، وتلمس جوانب التجديد في هذا الفن.

وتضمنت قصائد الشعراء معاني كثيرة تحكي وتصور سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، بدءاً من مولده، فنشأته، وبعثته، ودعوته إلى الإسلام، وما جرت له من الحوادث مع المشركين وأهل الكتاب عامة، ومع اليهود خاصة، من أنواع الأذى، واقتضى ذلك ذكر غزواته، وحربه وسلمه، ومعجزاته، والإفاضة في ذكر أخلاقه العظيمة التي ذكرها القرآن الكريم، وفي كل ذلك يربط الشعراء الحديث الحاضر بالقديم الغابر، وأن الله سبحانه الذي نصر نبيه ورسوله حين بعثته ودعوته في حياته؛ ناصره في كل آن، وأن أعداء الإسلام في هذا العصر سيبوؤون بالخسران؛ كما باء المشركون واليهود وغيرهم من قبل.

كل هذا موجود في القصائد، بقدر معين، يكثر ويقل حسب طول القصيدة وقصرها، وخبرة الشاعر وتوجهه، والتمثيل لهذه المعاني واستقصاؤها أمر يطول، ولكني بمناسبة بداية العام الهجري؛ إذ يستعيد المسلمون ذكرى الهجرة أردت أن أعرض تلمس الشعراء هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة المنورة، وما يتعلق بذلك من نصرته صلى الله عليه وسلم، وذكر الأماكن في المدينة، ومحبة رسول الله والشوق إليه..؛ فقد احتضنت يثرب الدعوة الإسلامية فصارت طيبة، والمدينة المنورة، بعد أن تجهم لها المشركون في مكة، فماذا قال شعراء ديوان النصرة في الهجرة!؟

يقول د.أنس بديوي من سورية في قصيدته: محبة لرسول الله، (ص67):

حن اليراع هاج الذكر أشجاني=ونور طيبة حياني فأحياني

تلك الديار نأت عن مقلتي نظراً= لكنها سكنت روحي ووجداني

فحبها أسرع الآمال لي قمراً =ونفحها عطر الذكر ببستاني

أزهار روض المنى في كل بارقة=حفت مفاتن أشعاري وأوزاني

فالشاعر يعبر عن شدة محبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وعظيم شوقه، فقلمه يحن إلى رسول الله، ومدينته، وذكره ذلك يهيجه، ونور طيبة يحييه ويبعث فيه الروح، فهو وإن كان بعيداً من المدينة؛ فهي قريبة منه، بل ساكنة في روحه ووجدانه.

ويقول في (ص68):

أتيت يثرب والأفواج ناظرة =إلى الحبيب تحييه بتحنان

تنورت باسمك الأسنى معاهدها=وقد تخيرتها من بين بلدان

فعز دينك في الأرجاء قاطبة=يوم اللقاء بأنصار وأعوان

في هذه الأبيات يحول الشاعر خياله وأشواقه السابقة إلى واقع، فقد ارتحل، وكأنه المهاجر الذي انضم إلى الأنصار، ويسمي دار الهجرة باسمها القديم قبل الإسلام: (أتيت يثرب)، ولا تثريب عليه في ذلك، وهو إذ حضر يصور مشهداً عظيماً، فهاهم المسلمون أفواجاً تجمعوا حول الرسول صلى الله عليه وسلم، يمتعون أنظارهم بالحبيب، ويحيونه، هذه يثرب تنورت باسم محمد صلى الله عليه وسلم، فصارت المدينة المنورة، إذ تخيرها رسول الله من بين البلدان لتكون دار هجرته، وليكون أهلها أنصاره، وبهذا يرشح الشاعر مسلمي اليوم ليكونوا كمسلمي الأمس مهاجرين وأنصاراً.

ويقول بسام دعيس من الأردن، في قصيدته: في نصرة المصطفى، (ص78):

أنوار مكة والمدينةِ لم تزل=بالحب تسطع أرضها وسماها

فقد جمع الشاعر بين مكة والمدينة في هذا البيت وأنارهما بالحب الذي يملأ كل قلب مؤمن، ومنبع هذا الحب من مكة والمدينة، فهما ضمتا حياة الرسول مبدأ وختاماً.

ويقول د.بسيم عبد العظيم من مصر في قصيدته: يا رسول الله، (ص80):

يثرب زادت بهاء حين شرفها الحبيب

وبسيم عبد العظيم يسمي دار الهجرة باسمها القديم (يثرب)، فهي كانت بهية جميلة، وبهجرة الرسول إليها زادت بهاء وشرفاً وقدراً، ويمكننا أن نلاحظ أن الشعراء حين يذكرون اسم يثرب يشيرون إلى انتقالها من حال إلى حال أسعد وأسمى.

ويقول د.جهاد بني عودة من فلسطين في قصيدته: حاشى لوجهك أن يأتي به القلم، (ص101):

قد أثخنوه جراح الحرب في أُحُد=وهي التي برسول الله تلتئم

يذكر جهاد بني عودة معلماً من معالم المدينة هو جبل أحد وارتباطه بالغزوة التي حدثت عنده، وأصيب الرسول صلى الله عليه وسلم بجراح شديدة فيها، وكان يوماً عصيباً من أيام الإسلام، وكأن الشاعر يقول للمسيئين المعاصرين لرسول الله: إن لكم سلفاً من المشركين، في أحد، ولكن لا تفرحوا، سيحل بكم اليوم ما حل بأولئك بالأمس، إذ نصر الله رسوله، ونشر نوره، وأعلى كلمته.

وتقول الشاعرة حليمة عيسى محمد سليمان من الإمارات العربية المتحدة في قصيدتها: عطر المصطفى، (ص120):

هجروا الديار وما بها ومضوا خفا=فاً ما غشى أبصارهم زوغان

يحدو بهم نور الرسول وعطره=ويشوقهم في يثربٍ أخدان

قد ألَّف الرحمن بين قلوبهم=فإذا بهم من فضله إخوان

فالشاعرة الإماراتية حليمة محمد تذكر هجرة المسلمين إلى يثرب، وقد تركوا ديارهم وما لهم بها من دور وأموال، ومضوا خفافاً سراعاً إلى الله ورسوله، يحدو بهم نور الرسول، وهديه ينير لهم الطريق، ويجذبهم ويشوقهم لقاء إخوتهم من الأنصار في يثرب، فقد تآخت قلوبهم، وألف الله بينهم أنصاراً ومهاجرين، وكأنها تقول: ليكن المسلون اليوم كذلك.

ويقول د.حيدر الغدير من السعودية في قصيدته: أبا الزهراء، (ص128):

عِداك وأين همُ هلكوا وبادوا وباد ضجيجهم والهيلمان

أبو جهل، أبو لهب، سَجاح مسيلمة، حُيَيُّ الأفعوان

قريظة والنضير وقينقاع وكعب وهو باغ ثعلبان

ويسلك حيدر الغدير أسلوباً آخر في ذكر الهجرة، فيذكر أعداء الإسلام الذين سلكوا كل سبيل لإيذاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيعدد رموزهم في مكة، وهم أبو جهل وأبو لهب، ثم المرأة سجاحُ ومسليمةُ اللذان ادعيا النبوة، وفي المدينة زعماء الكفر من اليهود

أفراداً وقبائل: حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف، وبنو قريظة والنضير وقينقاع، وهؤلاء جميعاً هلكوا وبادوا بمعاداتهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومصير العداة اليوم كمصيرهم بالأمس. وقد خطر لي أن لو كان الشاعر اختار اسم (ابن أُبَيٍّ) إشارة إلى رأس النفاق في المدينة عبد الله بن أُبَيّ بن سلول؛ لكان جمع أصناف الأعداء كلهم في أبياته الثلاثة.

ويقول راجس مبارك الدوسري من السعودية في قصيدته: أيها المدثر، (ص144):

والجذع حن إلى معانق راحه وبكى لذكرى خطبتيه المنبر

والبئر أغدق ماؤه من ريقه وشكا إليه ما يبث القنبر

أُحُد وثور والحطيم وطيبة حنت له والحرتان وخيبر

ما ضمه قبر بطيبة رسمُه بل في قلوب المسلمين معمر

بوضوئه غسل الزمان جبينه وبسؤره جسد الدنا يتطهر

الشاعر راجس الدوسري يذكر عدداً من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم حصلت في المدينة أو بعد الهجرة، فحنين الجذع والمنبر، وتكثير ماء البئر، وشكوى طائر القُبَّرة أو الحُمَّرة، وقعت في المدينة وما حولها بعد الهجرة، وأحد هو الجبل المعروف، وثور جزء من جبل أحد من ناحية الشمال الغربي، وهو غير جبل ثور وغاره في مكة، والحرتان هما الأرض البركانية غرب المدينة وشرقها، وخيبر معقل اليهود التي فتحها الرسول بعد صلح الحديبية. أما الحطيم فوحده من معالم الكعبة المشرفة في هذا السياق. ويكرر الشاعر اسم طيبة، مرة في سياق الأماكن، ومرة عند ذكر قبر الرسول، وأن هذا

القبر الذي ثوى فيه جسده الطاهر، هو في قلوب المسلمين إيماناً ومحبة وشوقاً دائماً. ويبدع الشاعر في البيت الخامس فيجعل الزمان يغسل جبينه بوضوء الرسول، ويتطهر جسد الدنيا بسؤر مائه من وضوئه، أو شربه. ويا له من خيال رسم صورة مشرقة سامية!.

ويقول رزق الله سالم الشيخ العمرو من الأردن في قصيدته: محمد رحمة الدنيا، (ص147):

ألا حيِّ المشاعر والمقاما وحيِّ البيت والبلد الحراما

وصافح رمل طيبة حيث ضمت رسول الله واقرئه السلاما

يفتتح رزق الله سالم قصيدته بتحية الأماكن التي ارتبطت بالإسلام وشعائره في مكة فيعم بذكر المشاعر المقدسة والبلد الحرام، ويخص بذكر المقام والبيت الحرام. وينتقل إلى المدينة في البيت الثاني فيحيي رمل طيبة وترابها التي ضمت رسول الله حياً وميتاً، ويقرئه السلام، صلى الله عليه وسلم، وهذا مفتتح موفق للقصيدة، فإن كان الأعداء يقابلونه بالحرب والإساءة فإن شاعرنا المسلم المحب يقرئه السلام والمحبة.

ويقول سليمان محمد الرفيق من السعودية في قصيدته: في مدح النبي، (ص155):

إن أنس لا أنس ذاك الجذع حين بكى شوقاً إليك وتهياماً وتحنانا

إن كان حن إليك الجذع يا أملي الشوق فينا ليحدونا للقيانا

سليمان الرفيق متأثر بمعجزة حنين الجذع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان منبرَه الذي يقف عليه حين يخطب، فيجعل من حنينه مدخلاً للتعبير عن شوقه وحنينه إلى الرسول، ولكنَّ بشراً قست قلوبهم فصارت أشد من الجمادات، فهي تعادي خير البشر، بله أن تكف عنه أذاه.

ويقول د.سمير العمري من فلسطين في قصيدته: قبل أن تتكلما، (ص167):

الجذع حن إليك يوم تركته وإليك كم حنت ملائكة السما

فسمير العمري مثل سابقه سليمان الرفيق يذكر معجزة حنين الجذع التي حصلت في المسجد النبوي في المدينة المنورة، وأن ملائكة السماء حنت إلى الرسول واشتاقت إليه، فما بال البشر في الأرض يؤذونه، ويسيئون إليه!؟

وتقول الشاعرة سهى خالد زريق من سورية في قصيدتها: اسق العطاش، (ص170):

يا سائرين على خطى السادات من هاشم حيوا ذوي الثَّفِنات

حجت ليثرب أنفس مشتاقة لقيا الحبيب تضج بالدعوات

تفديك يا خير الأنام دماؤنا وتقيك أعيننا من الطعنات

وتسيل أرواح لديك لترتوي في أرض طيبة أشرف العتبات

يا أيها القمر المنير محمد يا نور أيامي ولون حياتي

وقفَتْ بروضتك الشريفة أمة من كل نجد في الدنى وفلاة

بليون روح قد أتتك مضيئة كبياض حجاج على عرفات

هذه الأبيات مطلع قصيدة سهى خالد زريق، وهي تنم عن شاعرية محلقة، ولغة جزلة، وزادت القصيدة جزالة من خلال قافية التاء المكسورة، وهي تبدأ بالخطاب للركب السائر لزيارة السادات من بني هاشم رهط النبي صلى الله عليه وسلم، الذي عرفوا بالعبادة، حتى غلظت ركبهم من كثرة السجود، وهو معنى (الثَّفِنات)، وقد لقب علي بن الحسين زين العابدين بذي الثَّفِنات رحمه الله. والشاعرة بعد إزجاء التحيات لآل البيت تخص الرسول صلى الله عليه وسلم في زيارة الركب القاصد يثرب، وعبرت عن الزيارة بالحج، والحج هو القصد لغة، ولكن كلمة الحج تنقلنا إلى نسك الحج، وتعطي ظلالاً وارفة ليست في لفظ القصد، ثم تفدِّي خير الأنام بالدماء والأرواح، وهي تناسب سياق القصيدة في الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم إن الأرواح والدماء التي تسيل ترتوي بها أرضُ طيبة الطيبة، وأشرفُ العتبات التي هي عتبة النبي صلى الله عليه وسلم. وتنادي الشاعرة الرسول نداء جميلاً: يا أيها القمر المنير، وهو وصف مأخوذ من القرآن الكريم، أما وإن الرسول قمر منير فقد تنورت حياة الشاعرة به، وتلونت حياتها بجمال النور المحمدي، وتقف بأمة الإسلام في روضة النبي الشريفة يفدونه ويدفعون عنه ويدافعون وهو قد لبسوا أكفانهم البيضاء استعداداً للموت كما يلبس الحجاج إحرامهم الأبيض في عرفات. وهذه الصور حقاً مهيبة جليلة، وكأننا أمام شاعرة من طبقة الخنساء رضي الله عنها.

ويقول شبَّاب هادي السُّلمي من السعودية في قصيدته: مع الحق، (ص176):

وأُجْلِيَ من أم القرى وهو ابنها وسار ومعه عزمه وثباتُهُ

وفي السير ولّى وجهه نحو طيبة ولم يستثره الدهر أو معضلاتُهُ

وصاحبه من خُلَّص الناس واحدٌ وما صحبته في الخطى صافناتُهُ

مشى واثقاً من نصره فتهللت به ابتهاجاً في قبا طرقاتُهُ

فمولده نورٌ وبعثته هدىً وهجرته نصرٌ وجمع وفاتُهُ

وشبَّابُ السلمي يحكي لنا قصة الهجرة، فقد أُخْرِج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة أم القرى، وهو ابنها من أهلها، فتوجه إلى طيبة مهاجراً، ولم يستطع شيء أن يمنعه من عزمه هذا، وكان رفيقَه في الهجرة أبو بكر رضي الله عنه وهو صاحبه المخلص، وليس معهم خيول ولا خيالة، التي عبر عنها الشاعر بنعتها بالصافنات، فمشى الرسول واثقاً من نصر الله له، حتى وصل قُباء، كما في روايات السيرة للهجرة، فابتهجت طرقاتها. وهذا التعبير جميل، إذ تجاوز الشاعر وصف مشاعر الناس إلى مساكنهم وطرقاتهم، فكيف كانت فرحتهم إذاً!؟ ثم يلخص حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في بيت واحد، بأربع جمل، فمولده نور انبعث فجره، وبعثته هدى أشرقت على الدنيا، وهجرته نصر من الله نصر به الحق على الباطل، وكأنه يشير إلى الآية (40) من سورة التوبة: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}، ووفاته صلى الله عليه وسلم جَمْعٌ، وكأنه يقصد اكتمال الدين، كما ورد في تفسير قوله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (التوبة:3)، وفي تفسير سورة النصر، أنها نعي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويقول عبد الجبار أحمد المرزوق من السعودية في قصيدته: محمد رحمة للناس قاطبة، (ص210):

أحل في طيبة الغراء فانفجرت مشاعر الحب للمبعوث برهانا

أهل المدينة قالوا الحقُّ شرفنا محمد المصطفى بالنور وافانا

بشائر أنزلت عمت بشائرنا مذ حل نور الهدى اللهُ أنجانا

تأسس المسجد المعهود فانصهرت تلك الفوارق في الأجناس إخوانا

يذكر عبد الجبار المرزوق حلول الرسول صلى الله عليه في طيبة، وقد فجر ذلك مشاعر المحبة العارمة للرسول برهانا لصدق إيمانهم به، ويصف قول أهل المدينة بتشرفهم بمجيء الرسول إليهم بنور الإسلام، وبالدين الحق، وهو بهذا يذكرنا بالنشيد الذي يتغنى به المسلمون: (طلع البدر علينا)، ويذكر في أبياته تأسيس المسجد النبوي، والتآخي بين المسلمين، من المهاجرين والأنصار، والأحرار والعبيد.

ويقول عبد الرحمن صالح الحمادي من السعودية في قصيدته: ذبٌّ عن صفيِّ الرب، (ص212):

أوحى إليه الله أن هاجِرْ دجى يعلو التراب نواصيَ الفجارِ

واصحب أبا بكر بأعظم ليلة كتب الزمان وأعظم الأخبار

ودلفت للغار اتقاء لحاقهم لما خرجت انهل دمع الغار

ومضيت يسمع للصخور ترنمٌ والرمل يطرب من غنا الأطيار

هذي المدينة قد تهلل وجهها وامتد نور الخير للأنصار

فهمُ كأرض أقفرت جنباتها فحيَتْ بموفور من الأمطار

فرأبْتَ صدعهم وكنت دواءهم لجراح فرقتهم من الأوتار

فعبد الرحمن الحمادي يلخص لنا هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ تلقى الأمر من الله بالهجرة، فخرج وقد نثر التراب على رؤوس المشركين الذي كانوا يحيطون ببيته، فلم يشعروا به، واصطحب معه أبا بكر رضي الله عنه، فتوجها إلى غار ثور، وخاب المشركون، فصرف الله أبصارهم عنه، وبكى الغار إذ فارقه الرسول، وكلُّ ما مر به الرسول صلى الله عليه وسلم في طريق الهجرة فرح به، وترنم، ورددت الرمال الغناء مع الطيور فرحاً برسول الله، حتى إذا وافى المدينة تهلل وجهها بهجة بمقدمه صلى الله عليه وسلم، وامتد هذا السرور والفرح إلى أهلها الأنصار، الذين كانوا كأرض مقفرة في شركهم، فأزهرت وأنبتت من كل زوج بهيج بهذا الغيث من الهدى والنور الرباني النبوي، وتوحدت كلمتهم بعد فرقة وعداوة، وكان رسول الله دواء وشفاء لجراحهم. ويا لهذه الرحلة الجميلة التي شارك فيها الحجر والشجر، والطير والبشر!..

ويقول عبد الرحمن محمد علي من سورية في قصيدته: وأطيب منك لن تجد الرباع، (ص220):

كيثرب لم تجد في الأرض ربعاً وأطيب منك لن تجد الرباع

تهز بنخلها فتميد رَوْماً كأنك في يد القدر الذراع

تريد المستحيل يجيء طوعاً ووحدك عنده الرجل المطاع

ويختم القصيدة قائلاً:

تهاطِل قبرَك الصلواتُ طيباً ويسبل جفن قافيتي الوداع

ويختصر عبد الرحمن محمد علي مشهد لقاء الرسول بيثرب التي لم يجد الرسول مثلها تناصره وتقبل دعوته، ولا الأرض كل الأرض تجد أطيب من رسول الله، فهنيئاً ليثرب برسول الله!.. فها هو ذا رسول الله يهز نخل طيبة فتميل طرباً وتميد يميناً وشمالاً، وتعطي جناها لرسول الله بنصرة أهلها، فالنخل رمز للمدينة وأهلها، ويتحقق في المدينة كل مستحيل فيما يُرَى من انتصار الإسلام، وتحدث المعجزات تلو المعجزات، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وحده هو المستجاب دعاؤه، الذي عبر عنه الشاعر، بأنه مطاع.. ولربما أشار بذلك إلى أنشودة: طلع البدر علينا، إذ يرد فيها: (أيها البمعوث فينا/ جئت بالأمر المطاع)، فالأمر المطاع هو أمر الله وأمر رسوله. ويختم قصيدته بالصلاة والسلام على رسول داعياً أن تهطل الصلوات على قبره طيباً. ويختم الاشعر قصيدته بشطر جميل جداً حين يقول: (ويسبل جفنَ قافيتي الوداعُ) إذ تغمض قصيدته جفنها مستسلمة للنوم راحة وسباتاً، وقد أدت مهمتها في نصرة الرسول صلى الله عليهة وسلم، والحقيقة أن الشاعر هو الذي أسبل جفنه أماناً وراحة.

ويقول عبد الله عيسى العيسى من السعودية في قصيدته: بشرى النبوة، (ص256):

هذا أوان الشعر جاء ملبياً يفدي الرسول وبالرسالة يفخر

من طيبة الغراء شذواً تنتشي من عبقه الدنيا يضوع ويبهر

هذا رسول الله أما وجهه نور، وأما فضله لا يحصر

يذكر عبد الله العيسى طيبة في سياق الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم وافتدائه كما فعل الأنصار في العصر الأول، فالشعر جاء ملبياً دعوة نصرة الرسول، ويفديه،

ويفخر برسالة الإسلام، ومن طيبة تنتشي الدنيا شذواً وعطراً من عبق الرسول صلى الله عليه وسلم، ويبهر العالم، وكيف لا.. وهذا رسول الله وجهه نور، وفضله لا يحصر!؟

وتقول الشاعرة عزيزة عبد الرحمن الشهري من السعودية في قصيدتها: صرخة مشاعر، (ص285):

والقدس تهتف بعد ضجة أهلها وبكى جموع الشعب في إيران

ودمشق كانت مثل يثرب حينما هبت تدافع عن رسولٍ حاني

عزيزة الشهري تعبر عن تجاوب الشعوب الإسلامية في نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالقدس تهتف بعد ضجة أهلها، وجموع الشعب في إيران يبكون حزناً على ما أصاب الرسول من أذى، ودمشق مثل يثرب هبت تدافع عن الرسول الحاني الرؤوف الرحيم. وهي بذلك تصف الاحتجاجات الشعبية التي هبت في كل العالم الإسلامي.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين