الهجرة إقامة دولة  -3-

 

 الله سبحانه وتعالى يمهد لدينه ويغرس لدعوته بكلتا يديه ويحفظ أولياءه وينصر جنوده ويرفع لواءه بالبر والفاجر، بالمؤمن والكافر.

 فرغم كل هذه المحاولات النبوية في اتجاهات شتى لإقامة دولة الإسلام الناشئة إلا أن الله تعالى يمهد لدينه ويغرس له في موطن آخر.

فأسلم ستة نفر من يثرب من الخزرج بعد ما جلسوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في آخر موسم الحج في العام العاشر من البعثة.

*  وكان من تمهيد الله تعالى لدعوته أن اليهود أنفسهم أول من ساعد من حيث لا يدروا في نشر الإسلام، فأكثروا الحديث عن نبي يؤمنون به ويقاتلون معه أهل يثرب قتل عاد وإرم وشاع هذا الحديث في يثرب، فلما التقى وفد الخزرج بالنبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم لبعض (يا قوم، تعلمون والله إنه للنبي الذي تَوَعَّدُكم به يهود، فلا يسبقُنَّكم إليه! فأجابوه فيما دعاهم إليه) تفسير الطبرى80/7

*  وكان من تمهيد الله تعالى لدعوته إزالة العقبات وتمهيد الأرض وتهيئة النفوس لاستقبال الإسلام حتى لا يجد النبي صلى الله عليه وسلم نفس العنت والمشقة والصدود الذي لاقاه من قبل في مكة، فكانت حرب بعاث ومات فيها خلق كثير ولاسيما قادة الأوس والخزرج فلا يقفوا في وجهه صلى الله عليه وسلم في المدينة كما وقف أبو جهل وأبو لهب وغيرهم في مكة.

 وعن عائشة قالت: (كان يوم بعاث يوما قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملؤهم، وقتلت سرواتهم، وجرحوا، قدمه الله لرسوله صلى الله عليه وسلم في دخولهم في الإسلام) البخاري

ومن تمهيد الله تعالى لدعوته ظهور شخصيات تؤدي أدواراً هامة وتوصل رسالة أرادها الله تعالى ثم تختفي، فلم نسمع عن ميسرة إلا في موقف واحد فقط حين أخبر السيدة خديجة رضي الله عنها عن صدق وأمانة النبي صلى الله عليه وسلم في رحلته التجارية الأولى في مالها، وعن الغمامة التي كانت تظله، فكان عوناً في الإسراع بزواجها بالنبي، وكذلك عداس بإيمانه في رحلة الطائف، وبحيرى الراهب في تحذيره لأبى طالب بالخطر على بن أخيه ومدى ما يكون له من شأن، وورقة بن نوفل حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم (هذا الناموس الذي نزل الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أومخرجي هم). قال: نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا) البخاري

*  في العام الثاني عشر من البعثة كانوا 12 رجل (بيعة العقبة الأولى) وأرسل لهم صلى الله عليه وسلم مصعب الخير معلماً وموجهاً وداعياً إلى الله فما ترك بيتاً إلا دخله الإسلام فكان نعم السفير الذي يمهد الله على يديه لنبيه صلى الله عليه وسلم.

*  في العام الثالث عشر من البعثة كانوا 73 رجل وامرأتين (بيعة العقبة الثانية) وكانت الهجرة المباركة، وبهجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة تكونت دولة الإسلام من القيادة الربانية المتمثلة في شخص النبي صلى الله عليه وسلم والخلافة الراشدة من بعده، والشعب المسلم الحريص على دينه وعرضه، والإقليم والأرض التي ينطلقون منها ليبلغوا دعوة الله.

وللحديث بقية إن شاء الله عن جهوده صلى الله عليه وسلم لتنظيم العلاقات داخل مؤسسات الدولة.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين