هل كل ما يكتب من شعر يصلح أن يكون نشيدا؟ وهل كل ما يُنشد اليوم يصلح أن يُسمى نشيداً؟ إذا كان الشعر العربي يقوم على أوزان، وله إيقاع محدد، وهو شعر غنائي في شكله و مضمونه فإن أسلافنا عرفوا هذه الحقيقة، فقال قائلهم:
تغنَّ بالشعر إمّا أنت قائله=إن الغناء لهذا الشعر مضمارُ
وما التغني وإن تعددت معانيه سوى تحسين الصوت، وحسن الأداء، والوقف السليم والصحيح وتنوع النبرات وتلوين الكلام.
تمكن مِن ذلك مَن تمكن، وأخفق فيه من أخفق، حتى إن شعراء كباراً كانوا يعجزون عن الإلقاء الجميل فيعطون قصائدهم ليلقيها من هو أجمل بياناً وأفصح نطقاً. وكان الشاعر حافظ إبراهيم – كما يقول الأستاذ أحمد أمين – يؤثر في الجماهير بإلقائه، بالقدر الذي يؤثر فيهم بشعره، لقد كان في نبرات صوته وحسن إجادته في الإلقاء يلعب بعواطف السامعين، كما يلعب فيها بألفاظه ومعانيه؟!
وهو في ذلك ليس بدعا، فإن بعض الشعراء في الجاهلية كانوا يلقون شعرهم على نحو فيه الترنيم والتطريب! ومع جمال الشعر قصيداً فإنه يبقى للنشيد خصائص يمتاز بها، لكي يطلق عليه هذا الوصف.
يقول الأستاذ علي الطنطاوي: "النشيد كلمات معدودة، وألفاظ محدودة، لا يجوز أن يذهب لفظ واحد منها من غير أن يدل على شيء". ويقول المنشد محمد أمين الترمذي: "لكي يكون المنشد منشداً حقاً ينبغي أن تكون لديه الموهبة، وأن يتعلم كيف تُصاغ الجملة الفنية". فلا يأخذ أي كلام، حمل دلالات أم لم يحمل! وافق الذوق الرفيع أم لم يوافق، فيدندن به، فإن ذلك لا يجعله منشدا يُستمع له.
ويقول المنشد محمد أبو راتب:"ينبغي أن نحافظ على الأصالة الفنية، ولانبالغ في استخدام التقنية إلى الحد الذي يفقد فيه النشيد مواطن الجمال والخصوصية العربية والإسلامية في اللحن والأداء والأسلوب".
وخلاصة القول: ينبغي لمن لا يمتلكون موهبة الشعر أن ينموا موهبتهم الكتابية في فنون أدبية أخرى، ولمن لا يملك موهبة الأداء الجميل أن يقتصر على تسلية نفسه في خلواته، فيريح آذان المستمعين ويستريح؟!
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول