الموجز في التاريخ: هشام بن عبد الملك

الموجز في التاريخ:

هشام بن عبد الملك

 

عبد المعين الطلفاح

كان هشام توَّاقًا لنيل الخلافة؛ لا سيما بعد أخيه سليمان؛ لكن رجاء بن حيوه أقنع سليمان بن عبد الملك أن يعهد بالخلافة من بعده لعمر بن عبد العزيز؛ ودرءًا للفتنة ومعارضة بني أمية؛ يعهد من بعد عمر ليزيد بن عبد الملك، يُكتب ذلك في كتاب مختوم، ويفتح بعد موت سليمان، ويقرأ على الناس، وقد حاول هشام بن عبد الملك استدراج رجاء بن حيوه لمعرفة من استخلف سليمان بعده؛ ولـمَّا أبى رجاءٌ غضب هشام واستنكر، ثم عهد يزيد بالخلافة من بعده لأخيه هشام بن عبد الملك.

     تولى هشام بن عبد الملك الخلافة بعد وفاة يزيد، عام: (105 ه) وكان سياسيًا بارعًا، يعرف كيف يسوس الناس، وينجح في مشروعاته الإصلاحية، شهد له بالجدارة وحسن السياسة خصومه، ومنهم: عبد الله بن علي بن العباس، الذي قال: "جمعت دواوين بني مروان، فلم أرَ ديوانًا أصح، ولا أصلح للعامة والسلطان من ديوان هشام"(1)، وقد كان له نظامه المالي الخاص، وسياسته الفريدة في إدخال المال بيت مال المسلمين، فكان لا يدخل إليه مالًا حتى يشهد عليه أربعين رجلًا أنه أخذ بحقه، حتى قيل: إنه جمع من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبله.

     كان للعلماء دور مؤثر إلى حد ما في قرارات هشام بن عبد الملك، لكنه دور لا يقارن بدورهم في عهد عمر بن عبد العزيز، ومن أبرز أولئك العلماء: الزهري (ت: 124 ه)، وأبو الزناد (ت: 130 ه)، والأوزاعي (ت: 157 ه)، وقد أقنع الإمام الزهري هشامَ بن عبد الملك بخلع الوليد بن يزيد من ولاية العهد؛ لفسقه ومجونه، ولم يخفْ من عاقبة الأثر المترتب على ذلك، وكان الوليد يتوعد الزهري قائلًا له: "إن أمكن الله معك يومًا فستعلم؛ فكان الزهري يقول: إن الله أعدل من أن يسلط عليَّ سفيهًا"(2)، ومات الزهري قبل تولي الوليد الخلافة.

    قامت في عهد هشام عدة ثورات، منها ثورة زيد بن علي بن الحسين في الكوفة، عام: (121 ه)؛ إلا أنها فشلت وقتل زيد، بعد تخاذل أهل الكوفة عن نصرته، وكشفها من قبل ابن هبيرة، عامل الأمويين على العراق(3)، وقامت ثورة البربر في الشمال الإفريقي، والخوارج في العراق، وغيرها.

     ولم تتسع رقعة الدولة زمن هشام بن عبد الملك، كما اتسعت زمن غيره من الخلفاء، بل كانت تحدث في عهده غزوات، يتقدم بعدها المسلمون، ثم يعودون إلى ثغورهم، وربما هُزم المسلمون فيها؛ كما حدث في الأندلس في معركة (بلاط الشهداء) عام: (114 ه) هُزم فيها المسلمون، وقتل قائدهم: عبد الرحمن الغافقي(4)، وقد مات هشام بن عبد الملك عام: (125 ه).

الهوامش:

(1) ينظر: الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 7/203، وينظر: ابن الأثير، الكامل، مصدر سابق، 4/283، وينظر: ابن كثير، البداية والنهاية، مصدر سابق، 9/353.

(2) ابن عساكر، تاريخ دمشق، مصدر سابق، 63/328.

(3) ينظر: الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 7/160، وينظر: أبو زهرة، محمد أبو زهرة، الإمام زيد حياته وعصره (القاهرة: دار الفكر العربي، د. ط، 1425/2005) ص: 55.

(4) ينظر: الصلابي، الدولة الأموية، مصدر سابق، 2/474.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين