الموجز في التاريخ :معركة نهاوند 21 هـ (فتح الفتوح)

كان بين هذه المعركة ومعركة القادسية قبلها، أربع سنوات، ما فتئ المسلمون خلالها يطاردون جيوش الفرس، ويهزمونهم، وذلك في معارك متتالية، حققوا فيها فتوحاتٍ عظيمة، منها فتح المدائن، وموقعة جلولاء، وفتح تستر، وغيرها من الفتوحات؛ فأثار ذلك حفيظة الفرس وحِنْقَهم على المسلمين؛ فاجتمعوا على يزدجرد يستنهضونه لقتال المسلمين من جديد، فعزم يزدجر على ذلك، وأرسل إلى أهل الجبال من سجستان وخراسان، وغيرها من البلاد، يحضهم على التجمع لقتال المسلمين، وواعدهم جميعًا نهاوند، مركزهم الأخير للمقاومة، وهي مدينة منيعة، يصعب الوصول إليها، فاجتمع له فيها مئة وخمسون ألف مقاتل، ولَّى عليهم الفيرزانَ قائدًا عامًا(1).

كان سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قد علم بتلك الحشود الفارسية؛ فأرسل إلى عمر ينبئه بذلك ويستأمره، فعقد عمر مجلس شورى، قرر بعده إرسال جيش إلى نهاوند، وعين عليه النعمان بن مقرن قائدًا عامًا، وأشار عليهم عمر بخطة لتعبئة جيش المسلمين، كان لها أثرها البالغ في تحقيق النصر فيما بعد، فاجتمع للنعمان جيش مقداره ثلاثون ألف مقاتل.

خرج النعمان بجيشه إلى نهاوند، ولـمَّا وصلها وجدها محصنةً تحصينًا قويًا، وحولها خندق عظيم، أمامه الحسك الشائك، الذي يمنع خيول المسلمين من التقدم، فلم يستطع المسلمون بسببها التقدم إلى أسوار المدينة؛ فاجتمع النعمان بأركان جيشه لتدارس الوضع؛ فأشار عليهم طليحة بن خويلد الأسدي بخطة مفادها؛ أن تنشب خيول المسلمين القتال مع الفرس، ثم تتراجع منسحبةً أمامهم؛ لتخرجهم من أوكارهم، حتى إذا ما خرجوا؛ انقض عليهم كمين المسلمين، فأطبقوا عليهم، وهم بعيدون عن خنادقهم.

شرع النعمان في تنفيذ هذه الخطة، فقسم جيشه إلى فرق، وأمر المسلمين في كمائنهم ألا يحدثوا أمرًا حتى يأمرهم به، وبدأ القعقاع في تنفيذ الخطة، بعد أن أوكلت إليه مهمة تضليل الفرس، ونجح نجاحًا عظيمًا في إخراجهم من مراكزهم، وأذهلت الفرسَ هذه المفاجأة؛ حيث وجدوا أنفسهم محاصرين بين جموع المسلمين؛ فأنزل بهم المسلمون السيف، حتى لاذوا بالفرار، بعد أن وقع الآلاف منهم في الخنادق التي حفروها للمسلمين، وفي الحسك الشائك، واستطاع القعقاع أن يقتل بعدها الفيرزان قائد الفرس، فانهار جيشهم بعد ذلك، ودخل المسلمون نهاوند، ثم همذان، وسقطت بقية مدنهم دون مقاومة تذكر، كالري وأذربيجان، وغيرها، ولم تقم للفرس بعد نهاوند قائمة، وانساح بعدها الإسلام في بلاد المشرق(2).

(1) ينظر: ابن الوردي، عمر بن مظفر، تاريخ ابن الوردي (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1417/1996) 1/141.

(2) ينظر: الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 4/115، وينظر: الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام، تحقيق: بشار عوّاد (بيروت: دار الغرب الإسلامي، ط 1، 2003) 2/124، وينظر: ابن كثير، البداية والنهاية، مصدر سابق، 7/110.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين