الموجز في التاريخ: عثمان بن عفان رضي الله عنه إسلامه وصحبته رسول الله ﷺ

هو عثمان بن عفان، بن أبي العاص بن أمية، يلتقي نسبه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عبد مناف، ولد في مكة بعد عام الفيل بست سنين، وكان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، ولما ولد له غلام من رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه: عبد الله؛ فكنَّاه المسلمون: أبا عبد الله؛ وبعد وفاة رقية رضي الله عنها زوجه النبي صلى الله عليه وسلم أختها: أم كلثوم رضي الله عنها(1)؛ فسمي لذلك: ذي النورين، وقد قيل: إنه لم يغلق أحد على ابنتي نبي واحدة بعد الأخرى غيره رضي الله عنه(2).

كان عثمان رضي الله عنه من السابقين الأولين، الذين أسلموا منذ الأيام الأولى لبعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أسلم على يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان رابع من أسلم من الرجال، ومنذ أن أسلم رضي الله عنه لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونهل من معين النبوة؛ فصقلت تلك الملازمة مواهبَه، وهذبت نفسَه، وفجرت طاقاتِه؛ فقوي لذلك على تحمل الشدائد والمصائب في سبيل دينه وعقيدته، ولما اشتد بطش قريش بالمسلمين، وأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم أن يهاجروا إلى الحبشة؛ كان عثمان رضي الله عنه ممن هاجر إليها، الهجرة الأولى والثانية، ومعه زوجته: رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك في العام الخامس للبعثة(3).

بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة؛ كان عثمان رضي الله عنه من أعمدة الدولة الإسلامية فيها، فلم يبخل رضي الله عنه بمشورة، ولا مال، ولا رأي، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها إلا بدر؛ وقد بادر رضي الله عنه للخروج مع المسلمين؛ إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يبقى يمرِّض زوجته: رقية رضي الله عنها(4)، وكان له في الحديبية موقف عظيم، نمَّ عن عظيم حبه وتوقيره لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أوفده رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة يفاوض عن المسلمين، ويبين لهم أنهم إنما جاؤوا معتمرين؛ عرضت عليه قريش أن يطوف بالبيت فلم يقبل ذلك رضي الله عنه، بل قال لهم: ما كنت لأفعل حتى يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاع بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشًا قتلته؛ فبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس على قتال المشركين، وبايع عن عثمان بيده اليمنى، وقال: «هذه يد عثمان»(5)، وسميت تلك البيعة بيعة الرضوان(6).

وفي غزوة تبوك ساعة العسرة كان عثمان رضي الله عنه صاحب القدح المعلى فيها بالإنفاق والبذل؛ فقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على تجهيز جيش العسرة؛ فقام عثمان رضي الله عنه فقدم ثلاثمئة بعيرًا بأحلاسها وأقتابها؛ حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما على عثمان ما عمل بعد هذه، ما على عثمان ما عمل بعد هذه»(7)، وجاءت في فضله رضي الله عنه أحاديث كثيرة، منها أنه أحد العشرة المبشرين بالجنة(8).

كان عثمان رضي الله عنه أحد الستة الذين أوصى لهم عمر رضي الله عنه بالخلافة بعده، وبعد مقتل عمر رضي الله عنه؛ اجتمعت كلمة المسلمين على مبايعة عثمان رضي الله عنه، وكان عبد الرحمن بن عوف أول من بايعه، ثم بايعه المسلمون، وذكر أن أول من بايعه بعد عبد الرحمن بن عوف هو علي بن أبي طالب رضي الله عنهم(9)، وخطب عثمان رضي الله عنه الناس بعدها خطبة، بيَّن فيها منهجه السياسي، الذي سيسلكه فيهم، ومرجعيته في الحكم، والتي تستند إلى الكتاب والسنة، وسيرة الشيخين: أبي بكر وعمر رضي الله عنهم(10).

(1) ابن سعد، الطبقات الكبرى، مصدر سابق، (3/39) و(8/31).

(2) ابن كثير، البداية والنهاية، مصدر سابق، 3/347.

(3) ابن سعد، الطبقات الكبرى، مصدر سابق، 3/40.

(4) ابن الأثير، الكامل، مصدر سابق، 2/29.

(5) البخاري، صحيح البخاري، مصدر سابق، ص: 5/15.

(6) ابن كثير، البداية والنهاية، مصدر سابق، 4/167.

(7) الترمذي، محمد بن عيسى، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد شاكر وآخرون (القاهرة: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط 2، 1395/1975) 5/625.

(8) المصدر السابق، 5/648.

(9) ينظر: محمد بن يحيى، التمهيد والبيان في مقتل الشهيد عثمان، تحقيق: محمود يوسف الدوحة: دار الثقافة، د. ت، 1405) 1/27، وينظر: العمري، أكرم ضياء العمري، عصر الخلافة الراشدة، (الرياض: مكتبة العبيكان، د. ت، د. ط) 1/56.

(10) الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 4/422.

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين