الموجز في التاريخ: بيعة علي رضي الله عنه وخلافه مع معاوية ومحاولات الصلح

بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه بايعت الأمة عليَّ بنَ أبي طالب رضي الله عنه خليفةً للمسلمين، إلا معاوية بن أبي سفيان، ومن معه من أهل الشام، فلم يبايعوه، وكانوا يطلبون منه رضي الله عنه أن يقتصَّ من قتلة عثمان أولًا، وبعدها يبايعونه(1) ، ثم إن أولياء دم عثمان رضي الله عنه من أهل المدينة -وعلى رأسهم طلحة والزبير- طالبوا عليًا رضي الله عنه بالقصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، فلم يفعل؛ لأنه كان يرى أن الغوغاء المتمردين، الذين قتلوا عثمان، لهم شوكة وقوة تمنع من ذلك، وهذا يعني أن الخلاف الذي نشأ بينهم وبين علي رضي الله عنهم لم يكن منشؤه أنهم يقدحون في خلافته رضي الله عنه، وإنما كان منشؤه اختلافهم في قضية الاقتصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، ثم إنهم لم يكونوا مختلفين في أصل هذه المسألة، فقد كان علي رضي الله عنه يرى وجوب الاقتصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، لكنه كان يرى تأخيره؛ حتى تهدأ أوضاع المدينة، ويستقر حالها، وتجتمع كلمتها.

ثم إن طلحة والزبير رضي الله عنهم تقدما إلى علي رضي الله عنه باقتراح لمواجهة هؤلاء، فقال طلحةُ لعلي: دعني فلآت البصرة فلا يفجؤك إلا وأنا في خيل، وقال الزبير: دعني آت الكوفة فلا يفجؤك إلا وأنا في خيل، لكن عليَّاً رضي الله عنه كان يرى التريث أفضل(2)، وبعد أن مضت أربعة أشهر على مقتل عثمان رضي الله عنه، لم يستطع خلالها عليٌّ أن يأخذ بثأره؛ استأذن طلحةُ والزبيرُ عليَّاً أن يخرجا من المدينة، فذهبا إلى مكة، والتقوا بكمٍّ كبيرٍ من المسلمين المطالبين بالقصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، وعلى رأسهم عائشة رضي الله عنها.

أخذ أهل مكة يتفاوضون مع عائشة بشأن دم عثمان رضي الله عنه، بعد أن شعروا أنهم قد خذلوه، وأنه لا تكفير لذنبهم إلا الخروج للمطالبة بدمه، فاجتمعت كلمتهم على الخروج إلى البصرة، وقد توافرت عدة عوامل شجعتهم على ذلك، منها: أن بني أمية كانوا قد خرجوا من المدينة إلى مكة، ومنها: أن عبد الله بن عامر، عاملَ عثمان على البصرة كان في مكة، يحث الناس على الخروج، ويعدهم بتقديم الدعم والمعونة لهم، ومنها: أن يعلى بن أمية الذي خرج من اليمن لإعانة عثمان كان قد وصل إلى مكة بعد مقتل عثمان، وكان معه من المال والسلاح شيء كثير؛ كل هذه العوامل وغيرها شجعت الناس للخروج إلى البصرة، للمطالبة بدم عثمان، وإعلام الناس بما فعل الغوغاء الذين قتلوه، وأنه إن لم يؤخذ على أيديهم، فسيكون كل إمام معرضًا للقتل من أمثالهم(3).

كانت عائشة وطلحة والزبير رضي الله عنهم، ومن معهم، يسعون من وراء خروجهم لإيجاد رأي إسلامي عام؛ لمواجهة الطغمة السبئية، التي قتلت عثمان رضي الله عنه، فخطبت عائشة الناس بذلك، ثم أخذوا يرسلون إلى أشراف القبائل وأعيانهم، يستعينون بهم على قتلة عثمان رضي الله عنه، حتى اجتمع حولهم الكثير من المسلمين، وهنا أقدم حكيم بن جبلة ومن معه من الغوغاء؛ فأنشب القتال معهم، فاتَّقاه طلحة والزبير ما استطاعا، وأمسك الناسُ رماحهم، وكانت عائشة رضي الله عنها حريصةً على عدم إنشاب القتل، وكانت تقول: لا تقاتلوا إلا من قاتلكم، لكن حكيمًا ظلَّ يقاتلهم، حتى إن هؤلاء الغوغاء قصدوا بيت عائشة ليقتلوها؛ فدفع الله عنها بنفر من المسلمين، وكانوا قد أحاطوا بها، عند ذلك تبين لطلحة والزبير أن هؤلاء الغوغاء لا يتورعون، فنادوا في الناس: من لم يكن من قتلة عثمان رضي الله عنه فليكفف عنا، ثم اقتتلوا مع الغوغاء قتالًا شديدًا، لم يفلت فيه من قتلة عثمان رضي الله عنه من أهل البصرة إلا واحدٌ(4).

الهوامش:

(1) ينظر: ابن حزم، محمد علي بن أحمد، الفصل في الملل والأهواء والنحل ( القاهرة: مكتبة الخانجي، د. ط، د. ت) 4/124.

(2) الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 4/438.

(3) ينظر: الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 4/452.

(4) ينظر: المصدر السابق، 4/472، وينظر: ابن الأثير، الكامل، مصدر سابق، 2/580، وينظر: سبط ابن الجوزي، مرآة الزمان، مصدر سابق، 6/150.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين