الموجز في التاريخ: الوليد بن يزيد

الموجز في التاريخ:

الوليد بن يزيد

عبد المعين الطلفاح

 

     تولى الخلافة بعد هشام بن عبد الملك الوليدُ بن يزيد، عام: (125 هـ)، وهو الذي لم يكن أحد في بني أمية أكثر منه إدمانًا للشرب والسماع، ولا أشد مجونًا وتهتكًا منه، واستخفافًا بأمر الدين والأمة(1)، وكانت خلافته بداية نهاية الدولية الأموية وزوالها، وكان هشام ينقم عليه لفسقه ومجونه، لذا خرج الوليد في عهد هشام، وأقام في البرية إلى أن مات هشام، وبايعه الناس بعدها خليفة للمسلمين.

     استهل الوليد خلافته بالاهتمام بأمر الناس، وإصلاح شأنهم؛ لكسب ودهم، والتظاهر بأنه أفضل لهم من هشام بن عبد الملك؛ فوضع لذلك الخطط، وجد في تنفيذها، فرفع مستوى الخدمات التي تقدمها الدولة للفقراء والعجزة، والضعفاء والمكفوفين، وزاد في رواتب المواطنين المسجلين في ديوان العطاء، وبنى المنشآت المائية للنهوض بالزراعة، وتوسيع رقعة الأرض التي تزرع في الصيف، وزيادة محاصيلها، ورفع أجور العاملين بها(2)، كما اهتم بشؤون الدولة العسكرية ولم يفرط فيها، وتمت في عهده بعض الفتوحات؛ لكن حركة الجهاد كانت قد ضعفت، نهاية العقد الأخير من القرن الأول الهجري، وتحول دور المسلمين على حدودهم الشرقية والشمالية من الهجوم إلى الدفاع، والحفاظ على البلدان التي نشروا الإسلام فيها، وبسطوا سلطانهم عليها.

    كشفت الرسائل التي عثر عليها الوليد في ديوان هشام بن عبد الملك موقفَ الولاة من ولايته العهد؛ فبنى عليها موقفه منهم، فقام بعزلهم، وعقابهم عقابًا صارمًا، كما استغنى عن أكثر الموظفين الذين ولوا لهشام الشرطة والرسائل، والخراج والجند، والخاتم والخزائن، وبيوت الأموال والحرس؛ أقصاهم لأنهم من خاصة هشام، وشاركوا فيما فعله هشام من السوء، كما قام بأعمال انتقامية ضد الأمراء الأمويين أنفسهم، فأقدم على جلد ابن عمه: سليمان بن هشام بن عبد الملك؛ لأمور كان ينقمها على أبيه، وأقدم على غيرها من الأمور التي أوغرت صدور الناس عليه، ومنها بيعته من بعده لولديه: الحكم ثم عثمان(3).

     دلت تصرفات الوليد على ضيق أفقه السياسي، إذ لم يحاول طيَّ صفحة الماضي، أو تأجيلها لحين التمكن، وإيجاد الموالين والأعوان على ذلك، فأدت خطواته تلك وانتقاماتُه، إلى قيام الحركات ضده، ومنها حركة يزيد بن الوليد بن عبد الملك؛ الذي اجتمع حوله مبغضو الوليد بن يزيد، وعلى رأسهم عدد من أمراء بني أمية وأعيانهم، وزعماء القبائل اليمنية في الشام، والقدرية وغيرهم، واستغل يزيد غياب الوليد عن دمشق؛ فدخلها وأخذ البيعة لنفسه، ثم بعث بجيشه إلى الوليد فقتله(4)، وأدت هذه الحركة إلى إضعاف الخلافة الأموية، وزوال هيبتها، وانهيار سلطانها، ومن ثم زوالها، فقد هاجت الفتن بعدها وتتابعت، ولم تنقطع إلا بزوال الدولة، وبعد أن تولى يزيد الحكم؛ حابى الولاة الذين وقفوا معه في انقلابه على الوليد، وأبى مروان بن محمد بن الحكم ذلك؛ فحرَّك جيوشه، مطالبًا بدم الخليفة المقتول، ولكن حكم يزيد لم يدم إلا ستة أشهر، وعاجلته المنية بعد ذلك، عام (126ه)(5).

    تولى الحكم بعد يزيد أخوه إبراهيم بن الوليد، الذي لم يتم له الأمر؛ فكان -كما قال ابن الأثير-: "يُسلَّمُ عليه تارة بالخلافة، وتارة بالإمارة، وتارة لا يسلم عليه بواحدة منهما"(6)، وكان أهل حمص أول من رفض بيعته، فأرسل إليهم جيشًا بقيادة ابن عمه: عبد العزيز بن الحجاج، يأخذ البيعة منهم، وبينما الجيش محاصرًا حمص؛ جاءها مروان بن محمد بجيشه، فلما علم عبد العزيز بمقدمه ترك حمص؛ فدخلها مروان، وبايعه أهلها، وبعد ذلك سار مروان بجيشه قاصدًا دمشق، فلقيه جيش إبراهيم بن الوليد بين دمشق وبعلبك، ودارت بينهما معركة كبيرة؛ هزم فيها جيش إبراهيم، وأسر منه الكثير، ثم دخل مروان دمشق؛ بعد أن فر منها الوليد(7).

 

الهوامش:

(1) ينظر: الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 7/209، وينظر: ابن الأثير، الكامل، مصدر سابق، 4/284، وينظر: ابن كثير، البداية والنهاية، مصدر سابق، 10/2.

(2) ينظر: عطوان، حسين عطوان، سيرة الوليد بن يزيد (القاهرة: دار المعارف، د. ط، د. ت) ص: 255 وما بعدها.

(3) ينظر: الطبري، تاريخ الطبري، مصدر سابق، 7/218، وينظر: ابن الأثير، الكامل، مصدر سابق، 4/289، وينظر: ابن كثير، البداية والنهاية، مصدر سابق، 10/8، وينظر: عطوان، سيرة الوليد بن يزيد، مصدر سابق، ص: 251.

(4) وينظر: ابن كثير، البداية والنهاية، مصدر سابق، 10/9.

(5) ينظر: ابن الأثير، الكامل، مصدر سابق، 4/322.

(6) ينظر: المصدر السابق، 4/322.

(7) ينظر: المصدر السابق، 4/331، وينظر: ابن كثير، البداية والنهاية، مصدر سابق، 10/21.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين