الموجز في التاريخ: الفتوحات في بلاد المشرق وولاية العهد وخروج الحسين إلى الكوفة واستشهاده

بعد مقتل عثمان رضي الله عنه توقفت حركة الفتوحات الإسلامية في بلاد المشرق، وما إن استقرت الأمور لمعاوية رضي الله عنه؛ حتى بدأ العمل الجهادي على هذه الجبهة من جديد، فعين عليها القادة، وأمدها بالرجال والعتاد؛ حتى وصلت الفتوحات إلى ما وراء نهر السند شرقًا، وكان من أشهر قادة الفتوحات في الشرق: عبيد الله بن زياد، وسعيد بن عثمان بن عفان، والمهلب بن أبي صفرة، وغيرهم.

الخوارج زمن معاوية: قام الخوارج في عهد معاوية بعدة حركات تمرد، في كلٍّ من الكوفة والبصرة، تهدف إلى إزعاجه وإضعافه، دون الأمل في القضاء عليه؛ لعلمهم بقوته وسطوته، واتسمت حركاتهم بالفوضى والعشوائية، والارتجالية وقلة التنظيم، مع أنهم كانوا مقاتلين أشداء، تهزم القلة منهم جيشًا جرارًا.

كان من أشهر حركات الخوارج في الكوفة: حركة فروة بن نوفل الأشجعي، عام: (41 هـ)؛ وذلك قبل أن يغادر معاوية الكوفة قافلًا إلى دمشق، وحركة المستورد بن علَّفة التيمي، وغيرهما، كما قامت في البصرة عدة حركات للخوارج، أشهرها: حركة يزيد الباهلي، وسهم الهجيمي عام: (41 هـ) وحركة قريب الأزدي، وزحاف الطائي، عام: (50 ه).

ولاية العهد

عهد معاوية رضي الله عنه إلى ابنه يزيد بالخلافة من بعده، وكان هذا الفعل في تغيير نظام الحكم اجتهادًا منه رضي الله عنه، ولم يكن بإشارة المغيرة بن شعبة، كما ذكرت بعض الروايات، فذهب معاوية يأخذ البيعة لابنه من الصحابة وغيرهم؛ فامتنع عن مبايعته: ابن عمر، وعبد الله بن الزبير، والحسين بن علي، وأخوه محمد بن الحنفية، وعبد الرحمن بن أبي بكر الذي قال: "إنما أردتم أن تجعلوها قيصرية، كلما مات قيصر، خلفه قيصر"(1)، ومن هنا أخذت الفتنة تطل برأسها من جديد، ولقد ندم معاوية رضي الله عنه عند موته على ما فعل، وما أقدم على ما أقدم؛ إلا وهو يظن أن في ذلك حفاظًا على وحدة الأمة وقوتها، ومات رضي الله عنه عام: (60 ه).

يزيد بن معاوية (60 – 64 ه): تولى يزيد بن معاوية الخلافة بعد أبيه، وبايعته الأمة كلها؛ إلا الحسين بن علي، وعبد الله بن الزبير رضي الله عنهم، وهنا كان خطأ يزيد الأول؛ فإصراره على أخذ البيعة منهما؛ أشعرهما بأنهما مهددان؛ فجيَّشا لذلك الجيوش، أو لجآ للعمل العسكري ضده، وكانا يريان عدم صلاحية يزيد للخلافة؛ لانعدام شروط العدالة فيه، ومخالفته مبدأ الشورى، وكان لكل واحد منهما معه شأن، فأما الحسين فذهب إلى مكة، ثم لبى دعوة أهل الكوفة له فذهب إليهم، وأما ابن الزبير فاعتصم بمكة.

راسل أهل الكوفة الحسين ليقدم إليهم، على أن يبايعوه خليفةً للمسلمين، وكتبوا له في ذلك الكتب، فأرسل إليهم الحسينُ رضي الله عنه مسلمَ بن عقيل إلى الكوفة، يستوثق القوم فيها؛ ولما وصل مسلم الكوفة بايعه اثنا عشر ألف رجل؛ فراسل مسلمٌ الحسين أن اقدُم إليهم، وبين مراسلة مسلم للحسين، ومقدم الحسين إلى الكوفة؛ تغيرت أحوال أهل الكوفة، وتمكن عامل الأمويين عليها: عبيد الله بن زياد، من كشف مخطط أهل الكوفة مع مسلم بين عقيل، وتخذيل الناس عنه، ثم قتل مسلم بن عقيل.

بعد أن عزم الحسين على الخروج للكوفة؛ عارضه أهل المدينة، وكبار الصحابة، لكنه رضي الله عنه أبى إلا الخروج، وكان ممن عارضه في خروجه: ابن عباس، وابن عمر، وابن الزبير، ومحمد بن الحنفية، وغيرهم رضي الله عنهم، ولما وصل كربلاء عام: (61 ه) لقيته خيل عبيد الله بن زياد، بقيادة عمر بن سعد بن أبي وقاص، ومنعته من دخول الكوفة، ورأى الحسين غدر أهل الكوفة، ونقضهم العهود والوعود التي بعثوا بها إليه؛ فطلب من جيش عبيد الله إحدى ثلاث: إما أن يذهب إلى يزيد، أو أن يرجع إلى المدينة، أو أن يلحق بثغر من ثغور الإسلام؛ فراسل عمر بن سعد عبيدَ الله بن زياد؛ فوافق عبيد الله على ذهاب الحسين إلى يزيد؛ إلا أن تدخُّل شمر بن ذي الجوشن في ذلك أفسد عليه رأيه هذا، وأشار عليه بلزوم نزول الحسين على حكمه؛ فرفض الحسين النزول على حكم عبيد الله؛ فاقتتل الطرفان؛ فقُتل الحسين ومن معه، إلا النساء، والصبية الصغار، ودفن جسده في كربلاء، ورأسه في البقيع، بجوار قبر أمه فاطمة رضي الله عنهم(2)، وقد رجَّح ذلك ابن تيمية؛ خلافًا للذهبي وابن كثير، اللذين يريان أن رأسه دفن في دمشق(3).

إن المسؤول عن قتل الحسين رضي الله عنه؛ عموم أهل الكوفة الذين خذلوه، وعمر بن سعد بن أبي وقاص وجنده، وعبيد الله بن زياد، عامل الأمويين على الكوفة، ويزيد بن معاوية، الذي لم يعاقب عامله: عبيد الله بن زياد على ذلك، فقد قتل الحسين على أرض تحت سلطانه، وهو المسؤول عما يجري عليها، وإن يزيد بن معاوية لا نحبه ولا نلعنه، هو مسلم من المسلمين، ليس بصحابي، ولا بولي، ودم الحسين في عنقه، وقد يجتمع على المرء في آن واحد: الثواب والعقاب، واللعنة والرحمة، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة؛ خلافًا للمعتزلة والخوارج، ولم يرضَ أهل الشام بقتل الحسين، ولم يكونوا نواصب، ينتقصون علي بن أبي طالب وأولاده رضي الله عنهم، وقد قال ذلك ابن تيمية لمقدم المغول: بولاي.

الهوامش:

(1) الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، تحقيق: عمر عبد السلام التدمري (بيروت: دار الكتاب العربي، ط 2، 1413/1993) 4/148، وينظر: ابن خياط، تاريخ خليفة بن خياط، مصدر سابق، 1/213.

(2) اليافعي، عبد الله بن أسعد، مرآة الجنان وعبرة اليقظان (بيروت: دار الكتب العلمية، ط 1، 1417/1997) 1/109.

(3) ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم، مجموع الفتاوى، تحقيق: عبد الرحمن بن محمد (المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، د. ط، 1416ـ/1995) 27/480.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين