الموت

الشيخ: مجد مكي

 1 ـ الموت حتم لازم:

الموت حتم لازم لكل حي من المخلوقات، كما قال تعالى:[ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] {القصص:88}. وقال: [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ] {الرَّحمن:27}  وقال:[كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ] {آل عمران:185}.

ولو نجا أحدٌ من الموت لنجا منه خيرة الله من خلقه محمد صلى الله عليه وسلم:[إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ] {الزُّمر:30}. وقد واسى الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن الموت سنته في خلقه: [وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الخَالِدُونَ] {الأنبياء:34}.

2 - للموت أجل محدَّد:

للموت وقت يأتي فيه، وقد قدَّر الله آجال العباد وجرى بذلك القلم في اللوح المحفوظ، وكتبه الملائكة الكرام والمرء في بطن أمه، فلا يتأخر المرء عما كتب له ولا يتقدم، وكل إنسان مات أو غرق أو سقط من طائرة أو احترق أو غير ذلك من الأسباب فإنه قد مات بأجله الذي قدَّره الله له، قال تعالى:[وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا] {آل عمران:145} وقال:[وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ] {الأعراف:34}، وقال:[نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ المَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ] {الواقعة:60}.

وفي صحيح مسلم: كتاب القدر، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قالت أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها: (اللهم أمتعني بزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبأبي أبي سفيان، وبأخي معاوية) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد سألت الله لآجالٍ مضروبة، وأيام معدودة، وأرزاقٍ مقسومة، لن يعجِّل الله شيئاً قبل أجله ولن يؤخِّر الله شيئاً لغير أجله، ولو كنت سألت الله أن يعيذك من عذاب النار وعذاب القبر كان خيراً وأفضل).

3 - وقت الموت مجهول لنا:

لا علم للعباد بالوقت الذي يحضر فيه الموت، فإن علم ذلك لله وحده قال تعالى:[وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ] {الأنعام:59}. وقال سبحانه: [إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ] {لقمان:34}.

روى أحمد والترمذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله قبض روح عبد بأرض جعل له فيها ـ أو قال: بها ـ حاجة).

الاحتضار

4- حضور ملائكة الموت:

إذا حان الأجل وشارفت حياة الإنسان على المغيب أرسل الله رسل الموت لسل الروح المدبَّرة للجسد والمحركة له.

قال تعالى:[وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ] {الأنعام:61} .

وملائكة الموت تأتي المؤمن في صورة حسنة جميلة، وتأتي الكافر في صورة مخيفة ففي حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء، بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفنٌ من أكفان الجنة، وحَنوط ـ ما يخلط من الطيب لأكفان الموتى وأجسامهم ـ من حَنوط الجنة، حتى يجلوا منه مدَّ بصره، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول: أيتها النفس الطيبة ـ وفي رواية المطمئنة ـ اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوانٍ، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في ـ فم ـ السقاء ـ بسهولة ورفق ـ فيأخذها...

وإن العبد الكافر ـ وفي رواية: الفاجر ـ إذا كان في انقطاع  من الدنيا، وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء سود الوجوه، معهم المسُوح ـ أي: الجلود الغليظة ـ فيجلسون منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله و غضب، قال: فتفرَّق في جسده، فينتزعها كما ينزع السفُّود ـ أي: حديدة ذات شوك ـ من الصوف المبلول).

وما يجري للمتحضر حال احتضاره لا نشاهده، ولكنا نرى آثاره، وقد قال الله تبارك وتعالى عن حال المتحضر: [فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ  ـ أي الروح ـ وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ  ـ إلى ما يعانيه من سكرات الموت ـ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ ـ الملائكة التي تسلُّ روحه ـ ] {الواقعة:85}.

5- سكرات الموت:

للموت سكرات يلاقيها كل إنسان حين الاحتضار كما قال تعالى:[وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ] {ق:19}. وسكرات الموت كُرُباته وغمراته الناشئ عن الألم. وقد عانى الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه السكرات ففي مرض موته كان بين يديه ركوة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء فيمسح بها وجهه ويقول: (لا إله إلا الله، إنَّ للموت سكرات) البخاري في كتاب الرقاق.

وتقول عائشة رضي الله عنها في مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت الوجع على أحد أشدَّ منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ) البخاري ومسلم.

ودخلت عائشة رضي الله عنها على أبيها أبي بكر رضي الله عنه في مرض موته، فلما ثقل عليه، تمثلت بقول الشاعر:

لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى  إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر.

فكشف عن و جهه وقال رضي الله عنه: ليس كذلك، ولكن قولي: [وَجَاءَتْ سَكْرَةُ المَوْتِ بِالحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ] {ق:19}. رواه ابن أبي الدنيا وانظر تفسير ابن كثير 6/48.

ولا شك أن الكافر والفاجر يعانيان من الموت أكثر مما يعاني منه المؤمن، فروح الفاجر تفرق في جسده ويقول لها ملك الموت: أيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط الله وغضبه، وينتزعها كما ينتزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول.

6- رحلة الروح إلى السماء بعد نزعها:

ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم التكريم الذي يكون لروح العبد الصالح بعد خروجها من جسده حيث تفتح لها أبواب السماء، وتخرج منها روائح طيبة عطرة تفوق رائحة المسك، وتأخذها ملائكة الرحمة في رحلة علوية كريمة. أما الروح الخبيثة، فتلعنها ملائكة السماء والأرض عند خروجها وتغلق أبواب السماء دونها، وتجعل في كفن من النار، وتفوح منها الروائح الخبيثة التي تؤذي ملائكة الرحمن.

ففي حديث البراء بن عازب يصف الرسول صلى الله عليه وسلم رحلة الإنسان من الموت إلى البرزخ: (حتى إذا خرجت روحه صلى عليه كل ملك بين السماء والأرض، وفتحت له أبواب السماء، فإذا أخذها ـ ملك الموت ـ لم يدعوها ـ لم يتركوها ـ في يده طرفة عين، حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعد بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة ؟ فيقولون: فلان بن فلان بأحب أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا، فيستفتحون فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقرَّبوها إلى السماء التي تليها، حتى يُنتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدي في عليين:[وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ المُقَرَّبُونَ] {المطَّففين:19-21}. فيكتب كتابه في عليين ثم يقول: أعيدوه إلى الأرض فغني منها خلقتهم، وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخرى).

وتحدث الرسول صلى الله عليه وسلم عن الروح الخبيثة من العبد الكافر أو الفاجر، فقال عنها بعد نزعها: (فيلعنه كل ملك بين السماء والأرض، فيأخذها ملك الموت، فإذا أخذها لم يَدَعوها في يده طرفة عين حتى يجعلها في المسوح، فيخرج منها كأنتن ريح جيفة وُجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة ؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يُسمَّى بها في الدنيا حتى يُنتهى بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح له، فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الجَمَلُ فِي سَمِّ الخِيَاطِ] {الأعراف:40}. فيقول الله عزَّ وجل: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى، فتطرح روحه طوعاً، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: [وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ] {الحج:31} .

ففي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً فذكر فتنة القبر التي يفتن فيها المرء. فلما ذكر ذلك ضجَّ المسلمون ضجة. رواه البخاري في كتابه الجائزة فتح الباري 3/231.

وفي رواية للنسائي: فلما سكتت ضجتهم قلت لرجل قريب مني: (أي بارك الله لك، ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر قوله ؟ قال: قد أوحي إليَّ أنكم تفتنون في القبور قريباً من فتنة الدجال) انظر: جامع الأصول 11/170.

7- المنجيات من عذاب القبر وفتنة:

الذي ينجي المرء من عذاب القبر أن يكون مستعداً للموت، حتى إذا فاجأه الموت لم يعضَّ أصابع الندم.

 ومن الاستعداد للموت: الإسراع في التوبة، وقضاء الحقوق، والإكثار من الأعمال الصالحة فإن الصلاة والصوم والزكاة، والحج والجهاد وبر الوالدين، وصلة الأرحام، وذكر الله عزَّ وجل، وغيرها من الأعمال الصالحة تحفظ العبد المؤمن، وبها يجعل الله له من كل ضيق فرجاً ومن كل همٍّ مخرجاً.

وفي الحديث المشهور عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الميت ليسمع خفق نعالهم حين يولون عنه، فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن يساره، وكان فعل الخيرات من الصدق والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من عند رأسه فتقول الصلاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه، فيقول الصيام: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره، فتقول الزكاة: ما قبلي مدخل، ثم يؤتى من قبل رجليه، فيقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس، ما قبلي مدخل، فيقال له: اجلس، فيجلس، قد مثلت له الشمس وقد دنت للغروب، فيقال له: ما هذا الرجل الذي كان فيكم؟ ما تقول فيه؟ فيقول: دعوني حتى أصلي، فيقولون: إنك ستفعل أخبرنا عما نسألك عنه فقال: عمَّ تسألوني ؟ فيقولون: ما تقول في هذا الرجل الذي كان فيكم، ما تشهد به؟ فيقول: أشهد أنه رسول الله، وأنه جاء بالحق من عند الله، فيقال: على ذلك حييت وعلى ذلك مت، وعلى ذلك تبعث إن شاء الله. ثم يفتح له من أبواب الجنة، فيقال له: ذلك مقعدك منها، و ما أعدَّ الله لك فيها، فيزداد غبطة وسروراً، ثم يفتح له باب من أبواب النار، فيقال: ذلك مقعدك منها، وما أعدَّ الله لك فيها لو عصيت الله، فيزداد غبطة وسروراً، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً، وينور له فيه، ويعاد جسده كما بدء، وتجعل نسمته في نسم الطيب، وهي طير تعلق في شجر الجنة).

تأهب للذي لابدَّ منـــــــــــه    فإن الموت ميقات العبـاد

أترضى أن تكون رفيق قــوم   لهـــــم زاد وأنت بغير زاد.

الذي استعد للآخرة يغلب عليه الاشتياق للقاء الله تعالى، وتتضاءل في نفسه كل مُتع الحياة الدنيا، وهذا الشعور هو الذي جعل النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول في الأيام الأخيرة من حياته: (إن عبداً خيَّره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا ما شاء، وبين ما عنده فاختار ما عنده ) البخاري.

وليس معنى حب الموت حب سكراته وشدته وآلامه، بل إن حب الموت مقصود لما بعده.

روى البخاري في الرقاق: (من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه  فقالت عائشة رضي الله عنها: إنا لنكره الموت؟ قال: ليس ذاك! ولكن المؤمن إذا حضره الموت بُشِّر برضوان الله وكرامته، فليس شيء أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضره الموت بُشر بعذاب الله وعقابه، فليس شيء أكره إليه مما أمامه فكره لقاء الله فكره الله لقاءه).

ولذلك فإن العبد الصالح يطلب حامليه بالإسراع به إلى القبر شوقاً إلى النعيم، بينما العبد الفاجر ينادي بالويل من المصير الذاهب إليه.

لذلك كان سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه  يقول في بعض معاركه: (جئتكم بجيش يحبون الموت كما تحبون الحياة) لشدَّة حُبِّهم للشهادة في سبيل الله وما يعقبها من النعيم.

وها هو صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة رضي الله عنه يؤكِّد حقيقة حب الموت لمن عمل لما بعده فيقول في لحظاته الأخيرة وهو يُحتضر: (غط يا موت غطك، وشد يا موت شدك، أبى قلبي إلا حبك، جاء رخاء العيش بعدك، حبيب جاء على فاقة،... أليس ورائي ما أعلم، الحمد لله الذي سبق بي الفتنة قادتها و علوجها).

قال سليمان بن عبد الملك لأبي حازم: ما لنا نكره الموت؟ فقال: عمرتم الدنيا وخرّبتم الآخرة، فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب.

قال تعالى:[وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ العَذَابِ الأَدْنَى دُونَ العَذَابِ الأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ] {السجدة:21}.

وقد استدل حَبْر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وغيره من الصحابة والتابعين بهذه الآية الكريمة على إثبات عذاب القبر، وذلك أن الله تعالى أخبر عن المنافقين والكفار أن لهم عذابين أدنى وأكبر، وأنه سبحانه يذيقهم الآن في الدنيا بعض العذاب الأدنى، وذلك بتسليط أنواع البلاد عليهم لعلهم يرجعون إلى الله تعالى، وأنه سبحانه يذيقهم البعض الآخر من هذا العذاب الأدنى بعد الموت وهم في البرزخ.

أما يوم القيامة لهم العذاب الأكبر الذي قال فيه سبحانه: [إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ اللهُ العَذَابَ الأَكْبَرَ] {الغاشية:23-24}.

8- كيف تكون فتة القبر؟

إذا وضع العبد في قبره جاءته ملائكة على صورة منكرة.

روى الترمذي في كتاب الجنائز باب ما جاء في عذاب القبر 3/383: (إذا قبر الميت ـ أو قال أحدكم ـ أتاه ملكان أسودان أزرقان يقال لأحدهما: المنكر وللآخر: النكير، فيقولون: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول ما كان يقول هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله...  وإن كان منافقاً قال: سمعت الناس يقولون قولاً، فقلت مثله، لا أدري...).

وفي حديث البراء الطويل: فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: مَنْ ربك ؟ ما دينك؟ مَن نبيك؟ فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم فيقولون له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقت فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي...)

9- أحاديث عذاب القبر متواترة:

ولعظم هذا الأمر وخطورته كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه لأصحابه بل وخطب فيهم مرة به.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.