الموت واعظ صامت

الإنسان أشبه بالكتاب.. والكتاب مؤلّف من أبواب وفصول وخاتمة، ومنه الكبير والصغير.. وعندما يصل الإنسان في سفر حياته إلى الفصلِ الأخير فإِنَّهُ لا يفكّر إلاّ في الخاتمة.. وتصبح الفصول الأخرى في حياته ذكريات الماضي يذكرها، وربّما ترنّمَ بذكرها، ولكنّه لا يستطيع العودة إليها، كما لا يمكنها العودة إليه، كما قال الشاعر:

ألا ليت الشباب يعود يوماً                 لأخبره بما فعل المشيبُ

ومهما تأسّف على فواتها فإنّه لا ينفعه التأسّفُ إلاّ ضياع ما بقي من العمر، وليس ذلك من شأنِ العاقل الحريص على نجاته..

فهل فكّرت في نفسك كيف ستكون ميتتك.؟! وهل خطّطت لها.؟

إنّ الطريق إلى الله سالك، ولابدّ لك منه: { يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ (6) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً (8) وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً (9) وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً (11) وَيَصْلَى سَعِيراً (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً (13) إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (14) بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً (15) } الانشقاق.

فأقبل على الله حبّاً ورغباً، وتوبة وإنابة، وعبوديّة صادقة، خير لك من أن تساقَ بسياط القهر، وبأس القدر، كما يساق المجرمون، ليس لهم من حميم، ولا شفيع يطاع، وَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ، ويعرفون بسيماهم، فيؤخذ بالنواصي والأقدام..

الطريق إلى الله: أن تُحكم أمر التوبة، وتحسن اختيار الصحبة، وتقطع عن نفسك داء التسويف، وتوقن أنّ الموت لا يعرف كبيراً ولا صغيراً، ولا شابّاً ولا هرماً، ولا صحيحاً ولا عليلاً.. فليس التسويف إلاّ من الشيطان الذي لا يستطيع أن يوقعك في شباكه إلاّ اصطادك بهذا الداء الدويّ، والوباء الخفيّ، الذي أهلك به من الناس من لا يحصيهم إلاّ الله..

فاعزم يا أخي على الرشد منذ هذه اللحظة، وأقبل على الله بقلبك ولبّك، وضع نصب عينيك مرضاة ربّك، لا شيء سواها..

واعلم أنّ اهتمام الناس بك مهما بلغ، وهمٌ عاجل، وزيفٌ باطل، وسراب خادع، ومن كان محبّاً لك صادقاً نصحك مثل نصحي، وحرص على استقامتك، لأنّه حريصٌ على نجاتك..: { فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) } غافر.

يقول الله تعالى: { فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (87) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ المُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ اليَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (95) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ (96) } الواقعة. 

 

إنّ الموت واعظ صامت، والقرآن واعظ ناطق، وقد قدّمت لك نصيحتي ناطقةً ببيّناتِ الوقائع الحقّة عن الواعظ الصامت، ودونك القرآن الكريم، وهو الواعظ الناطق: فافتح مسامع قلبك لمواعظه، واقرأ آياته بتدبّر، فإنّها كفيلة بنقلك من ظلمات الغفلة إلى نور اليقظة، ومن ذلّ المعصية إلى عزّ الطاعة، ومن متاهات الضلال إلى بحبوحة الهدى..

وإنّ ابتلاء الإنسان في هذه الحياة وامتحانه لابدّ أن ينتهي، ولكن متى ينتهي.؟ وكيف ينتهي.؟ هذا ما لا يعلمه أحدٌ من البشر.. أفليس حقّاً على العاقل أن يكون على استعداد للرحيل، وما بعده في أيّ وقت.؟

وبتعبير آخر: أليس على العاقل أن يخطّط للنهاية التي تختم بها حياته.؟ أخذاً بما جاء في الأثر: " يشِيب المرْء على ما شبّ عليه، ويموت على ما شاب عليه، ويبعث على ما مات عليه.؟ " فخطّط لنفسك ما تريد أن تموت عليه، وتبعث عليه.. واسأل الله الثبات على الحقّ وحسن الختام.

 

وإنّها سنّة اجتماعيّة، وقاعدة شرعيّة، ومعلم من معالم المسئوليّة والجزاء في الآخرة.. تتبدّى فيها العدالة الإلهيّة: {وَمَا ظَلَمْنَاهُم، ولَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُم يَظْلِمُونَ} {وَمَا ظَلَمْنَاهُم، ولَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالمِينَ}

فإذا كنت تحترم نفسك، فخطّط لها كيف تموت، واطلب لنفسك الميتة الطيّبة، وإنّما تغلو الحياة إذا كانت نفسك عليك عزيزة غالية.. وإنّما ترخص إذا كانت نفسك عليك رخيصةً تافهةً.. ففي الحديث الصحيح: (.. كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو ؛ فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا ) رواه مسلم برقم /223/ والترمذيّ في كتاب الدعوات عن رسول الله برقم/3439/ ، وابن ماجة وأحمد والدارميّ.

ولقد وضع لك الإسلام موازين الصلاح والنجاة، فإذا تحقّقت من نفسك أنّك تملكها بإذن الله، فاعلم أنّ الآخرة خير لك من الأولى، فلماذا ترهب الموت وتخشاه.؟!

فعندما أحكم سلف هذه الأمّة أمرهم، وأيقنوا أنّ الموت لابدّ لهم منه، وأنّه يأتيهم بغتة، أخذوا أنفسهم بالحزم والجدّ، واجتهدوا أن يكونوا على أحسن أحوالهم من سلامة المنهج، والعمل الصالح، والإقبال على ربّهم، ورغبوا إلى الله أن يموتوا أحسن ميتة، وعندما جاءهم الموت كانوا له مترقّبين من قبل، فقال قائلهم: " حبيب جاء على فاقة.. ".

وقال بلال رضي الله عنه: " واطرباه ! غداً ألقى الأحبّة محمّداً وصحبه.. ".

وقال الخليفة الأوّل أبو بكر الصدّيق رضي الله عنه لخالد رضي الله عنه: " يا خالد ! احرصْ على الموت توهب لك الحياة".

وقال الإمام عليّ رضي الله عنه: " والله لابْنُ أبي طالب آنَسُ بالمَوت من الطفل بثدي أمّه ".

وقال الطرمّاح بن حكيم:

فيا رَبّ لا تجعَل وَفاتيَ إن أتَت ** على  شَرجَعٍ  يُعلَى  بخُضرِ المَطارِفِ

ولكنْ شَهيداً ثاوياً في  عِصَابةٍ ** يُصابُون  في  فَجّ  مِنَ الأرضِ خَائِفِ

إذا فارقُوا دُنياهُمُ فارقُوا الأذَى ** وَصارُوا إلى مَوعُودِ مَا في الصحائفِ

فأُقتَلَ قَعصاً ثمّ يُرمَى  بأعظُمي ** مُفرّقةً     أوصالهُا     في     التنائِفِ

ويُصبحَ لحمي بطنَ نَسرٍ مَقِيلُه        ** بجوِّ  السمَاءِ   في   نُسُورٍ   عَواكِفِ

 

وقال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: " بينَنا وبينهم يوْمُ الجنائز " يعني: أهلَ البدع، وإنّها لكلمة عمِيقة الدلالة، واسعة الأبعاد، تدلّ على ما قَبلها من حسن السريرة والسيرة، وحسن الخاتمة، وتدلّ على ما بعدها منْ حُسْنِ العاقبة والمآل بإذنِ الله.

فعندما جانب أهل البدَع الحقّ، ووقفوا مع أهواء نفوسهم، ولم تتمحّض إرادتهم لنصرة الحقّ، وابتغاء وجه الله، كان يوْمُ الجنائز يومَ خذلانهم، وكان مرآةً صادقة لما هم عليه، وما قدّموا من عمل، فانعكست عليها الحقائق بصوْرةٍ عاجلة، قَبل ذلك اليوم، الذي تُبلَى فيه السرائرُ، وتُجلى الضمَائر.. وكان موقف الأمّة كافّةً أظهر شهادة على صحّة المنهج، وسلامة القصد، إذ إنّ هذه الأمّة لا تجتمع على ضلالة بشهادة نبيّها صلى الله عليه وسلم.

* وفكّر يا أخي ! علام تَقدُم بعد الموت.؟

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدريّ رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُصَلاّهُ فَرَأَى نَاساً، كَأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ، قَالَ: ( أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى، فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ المَوْتِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى القَبْرِ يَوْمٌ إِلاّ تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقُولُ: أَنَا بَيْتُ الغُرْبَةِ، وَأَنَا بَيْتُ الوَحْدَةِ، وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ، وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ، فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ المُؤْمِنُ، قَالَ لَهُ القَبْرُ: مَرْحَباً وَأَهْلاً، أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ اليَوْمَ، وَصِرْتَ إِلَيَّ، فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ، قَالَ: فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الجَنَّةِ، وَإِذَا دُفِنَ العَبْدُ الفَاجِرُ، أَوِ الكَافِرُ، قَالَ لَهُ القَبْرُ: لا مَرْحَباً وَلا أَهْلاً، أَمَا إِنْ كُنْتَ لأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ اليَوْمَ، وَصِرْتَ إِلَيَّ، فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ، قَالَ: فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْتَقِيَ عَلَيْهِ، وَتَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِأَصَابِعِهِ فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ، قَالَ: وَيُقَيِّضُ اللهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّيناً، لَوْ أَنّ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئاً مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا، فَيَنْهَشْنَهُ، وَيَخْدِشْنَهُ، حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الحِسَابِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:

( إِنَّمَا القَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الجَنَّةِ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ ) رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة برقم/2384/ وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لا نَعْرِفُهُ إِلاّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ.

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ وَإِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولانِ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ؟ فَأَمَّا المُؤْمِنُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنْ الجَنَّةِ، فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً، قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ: وَأَمَّا المُنَافِقُ وَالكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ: لا أَدْرِي، كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيُقَالُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، وَيُضْرَبُ بِمَطَارِقَ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرَ الثَّقَلَيْنِ ) رواه البخاريّ في كتاب الجنائز برقم /1285/.

وفي رواية لمسلم زيادة: (.. قَالَ فَيُقَالُ لَهُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَكَ اللهُ بِهِ مَقْعَداً مِنْ الجَنَّةِ قَالَ نَبِيُّ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَيَرَاهُمَا جَمِيعاً، قَالَ قَتَادَةُ: وَذُكِرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعاً، وَيُمْلأُ عَلَيْهِ خَضِراً إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ) في كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها برقم /5115/.

وجاء في رواية الإمام أحمد في المسند برقم /11823/: ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً فَيَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَضِيقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ حَتَّى تَخْتَلِفَ أَضْلاعُهُ ).

وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ نَبِيَّ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ نَخْلاً لِبَنِي النَّجَّارِ، فَسَمِعَ صَوْتاً فَفَزِعَ فَقَالَ: مَنْ أَصْحَابُ هَذِهِ الْقُبُورِ ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ نَاسٌ مَاتُوا فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ:  تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، قَالُوا: وَمِمَّ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: إِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ، فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ ؟ فَإِنْ اللهُ هَدَاهُ قَالَ: كُنْتُ أَعْبُدُ اللهَ، فَيُقَالُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، فَمَا يُسْأَلُ عَنْ شَيْءٍ غَيْرِهَا، فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى بَيْتٍ كَانَ لَهُ فِي النَّارِ، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا بَيْتُكَ كَانَ لَكَ فِي النَّارِ، وَلَكِنَّ اللهَ عَصَمَكَ وَرَحِمَكَ، فَأَبْدَلَكَ بِهِ بَيْتاً فِي الجَنَّةِ، فَيَقُولُ: دَعُونِي حَتَّى أَذْهَبَ فَأُبَشِّرَ أَهْلِي، فَيُقَالُ لَهُ: اسْكُنْ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ أَتَاهُ مَلَكٌ، فَيَنْتَهِرُهُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ ؟ فَيَقُولُ: لا أَدْرِي، فَيُقَالُ لَهُ: لا دَرَيْتَ وَلا تَلَيْتَ، فَيُقَالُ لَهُ: فَمَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ أَقُولُ مَا يَقُولُ النَّاسُ، فَيَضْرِبُهُ بِمِطْرَاقٍ مِنْ حَدِيدٍ بَيْنَ أُذُنَيْهِ، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الخَلْقُ غَيْرُ الثَّقَلَيْنِ ) رواه أبو داود في كتاب السنة برقم /4126/ زَادَ فِي رواية : وَأَمَّا الكَافِرُ وَالمُنَافِقُ.

فخطّط لنفسك كيف تموت.! ولعلّك تقول لي: وهل يملك الإنسان أن يخطّط لنفس كيف تموت.؟ فأقول لك: نعم، يملك ذلك بالنيّة الصادقة، والعزيمة المخلصة، والتذلّل لله تعالى والضراعة، مع العمل الذي يصدّق ذلك كلّه، ألم يقل الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) } آل عمران.

ثمّ ألم تسمع بقول النبيّ صلى الله عليه وسلم للأعرابيّ الذي قال له عندما أعطاه حظّه من المغنم، فقال له: مَا عَلَى هَذَا اتَّبَعْتُكَ، وَلَكِنِّي اتَّبَعْتُكَ عَلَى أَنْ أُرْمَى إِلَى هَاهُنَا ـ وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ ـ بِسَهْمٍ، فَأَمُوتَ فَأَدْخُلَ الجَنَّةَ، فَقَالَ: إِنْ تَصْدُقِ اللهَ يَصْدُقْكَ، فَلَبِثُوا قَلِيلاً، ثُمَّ نَهَضُوا فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحْمَلُ، قَدْ أَصَابَهُ سَهْمٌ حَيْثُ أَشَارَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَهُوَ هُوَ ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: صَدَقَ اللهَ فَصَدَقَهُ، ثُمَّ كَفَّنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي جُبَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ، فَكَانَ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ صَلاتِهِ:

( اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ، خَرَجَ مُهَاجِراً فِي سَبِيلِكَ، فَقُتِلَ شَهِيداً، أَنَا شَهِيدٌ عَلَى ذَلِكَ ) رواه النسائيّ في كتاب الجنائز برقم /1927/.

فطوبى له وهنيئاً بهذه الشهادة النبويّة الكريمة على الله.!

 

ثمّ ألم يقل النبيّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَأَلَ اللهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ) رواه مسلم في كتاب الإمارة عن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ رضي الله عنه برقم /3532/ والترمذيّ وأبو داود وابن ماجة.

فإن لم تعتبر بكلّ هذا فما تنفع معك المواعظ والعبر، حتّى تكونَ عبرة لمن اعتبر..

فعجّل أُخَيّ بالتوبة ولا تسوّف.. وبادر إلى الطاعة ولا تتلكّأ.. وسارع إلى مغفرة من ربّك وجنّة عرضها السموات والأرض، أعدّت للمتّقين.. وابذل من مالك ما يكون ستراً لك من النار، وقدّم من العمل الصالح ما يكون شفيعك، ويثقّل موازينك: { وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ المُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) } الأعراف.

اللهُمّ ارحمنا إذا عَرِقَ الجَبِين، وكَثُرَ الأنِين، ويَئِسَ منّا الطبيبُ، وبكَى عَلينا الحَبيب.

اللهُمّ ارحمنا إذا وارانا الترابُ، ووَدّعَنا الأحبابُ، وفَارقَنا النعِيمُ، وانقَطعَ النسِيم.

اللهُمّ ارحمنا إذا بَلِي جِسمُنا، ونُسِي اسمُنا، وانمحَى ذِكرُنا، واندرَسَ قبرُنا..

اللهُمّ ارحمنا يومَ تُبلَى السرائِرُ، وتُبدَى الضمائِرُ وتُنشَرُ الدواوين، وتُنصَبُ الموازين.

اللهُمّ برحمتِك نَستَعِينُ يا أرحَمَ الراحمن.

اللهُمّ رحمتَك نَرجُو، فلا تكِلنا إلى أنفسِنا، ولا إلى أحدٍ مِن خلقِك، طرفةَ عَينٍ ولا أقلَّ مِن ذلِكَ، وأصلِح لنا شَأنَنا كلَّه بفضلِكَ، لا إلهَ إلاّ أنتَ، وأصلِحنا ظاهِراً وباطِناً يا مُصلِحَ الصالحين.

اللهمّ اجعل الموت خيرَ غائب ننتظره، واجعل القبرَ خير بيتٍ نعمرُه، واجعل ما بعده خيراً لنا منه.

" اللهُمَّ اجعَل خَيرَ عُمُري آخِرَه، وخَيرَ عَمَلِي خَواتمَه، وخَيرَ أيّامِي يَومَ ألقَاكَ وأنتَ رَاضٍ عَنّي ".

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين