المواطنة والعلاقة بغير المسلمين -6-

أزمة ثقة

يتخوف الإسلاميون من المواطنة التي تعطي المسيحي والملحد وأبناء الطوائف والأديان الأخرى الحق في تبؤ وظائف حساسة في البلاد لأنهم يخشون منهم الخيانة. ترجع القضية كما أعتقد لما ورد عن عمر بن الخطاب من شعوره بالريبة من غير المسلمين، ورفضه أن يتولوا أية وظائف حساسة في دولة المسلمين، فقد روى ابن تيمية وصحح، عن أبي موسَى الأشعري أنه قال: {{قلتُ لعمرَ : إنَّ لي كاتبًا نصرانيًّا قال: ما لكَ قاتلَكَ اللهُ، أما سمِعتَ اللهَ تعالَى يقولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ألا اتَّخذتَ حنيفيًّا؟ قال: قلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ لي كتابتُهُ وله دِينهُ، قال: لا أُكرِمُهم إذ أهانَهُم اللهُ، ولا أُعِزُّهم إذ أذلَّهُم اللهُ، ولا أُدْنيهِم إذ أقصاهُم اللهُ}. وقد وردت روايات مختلفة لهذه القصة في كتب السيرة يصر فيها من يجادل عمر بن الخطاب على ضرورة الاستعانة بالكاتب النصراني، فيحسم عمر الموضوع بقوله: (مات النصراني والسلام)، أي افترض أنه مات، ألن تتدبر الأمر من بعده؟ إذن تدبر الأمر من دونه الآن. قال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى (28/ 643) : "{{فَقَدْ كَتَبَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: "إنَّ بِالشَّامِ كَاتِبًا نَصْرَانِيًّا لَا يَقُومُ خَرَاجُ الشَّامِ إلَّا بِهِ" فَكَتَبَ إلَيْهِ: "لَا تَسْتَعْمِلْهُ". فَكَتَبَ: "إنَّهُ لَا غِنَى بِنَا عَنْهُ" فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ "لَا تَسْتَعْمِلْهُ" فَكَتَبَ إلَيْهِ" إذَا لَمْ نُوَلِّهْ ضَاعَ الْمَالُ" فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - "مَاتَ النَّصْرَانِيُّ وَالسَّلَامُ"}}. ومروي عن عمر مواقف عديدة فيها هذا التوجس من رعاياه غير المسلمين.

 

 يروي ابن القيم في أحكام أهل الذمة عن عبد الله بن أحمد بن حنبل هذه الرواية، عن شروط فرضها عمر على النصارى في الشام والأقطار المفتوح عَنْوَةً، ومع أنها لم تثبت من حيث السند كما تثبت الأحاديث الصحيحة فإنها كانت مشهورة ومطبقة وبرأيه لا داعي للشك في صحتها. يقول ابن القيم:

 

{{ذِكْرُ الشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ وَأَحْكَامِهَا وَمُوجِبَاتِهَا:

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي أَبُو شُرَحْبِيلَ الْحِمْصِيُّ عِيسَى بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي [عَمِّي] أَبُو الْيَمَانِ وَأَبُو الْمُغِيرَةِ قَالَا: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالُوا: كَتَبَ أَهْلُ الْجَزِيرَةِ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ: "إِنَّا حِينَ قَدِمْتَ بِلَادَنَا طَلَبْنَا إِلَيْكَ الْأَمَانَ لِأَنْفُسِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا عَلَى أَنَّا شَرَطْنَا لَكَ عَلَى أَنْفُسِنَا أَلَّا نُحْدِثَ فِي مَدِينَتِنَا كَنِيسَةً، وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا دَيْرًا وَلَا قِلَّايَةً وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ، وَلَا نُجَدِّدَ مَا خُرِّبَ مِنْ كَنَائِسِنَا وَلَا مَا كَانَ مِنْهَا فِي خُطَطِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَلَّا نَمْنَعَ كَنَائِسَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يَنْزِلُوهَا فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنْ نُوَسِّعَ أَبْوَابَهَا لِلْمَارَّةِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلَا نُؤْوِي فِيهَا وَلَا فِي مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا، وَأَلَّا نَكْتُمَ غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَلَّا نَضْرِبَ بَنَوَاقِيسِنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا فِي جَوْفِ كَنَائِسِنَا، وَلَا نُظْهِرَ عَلَيْهَا صَلِيبًا، وَلَا تُرْفَعَ أَصْوَاتُنَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا الْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا فِيمَا يَحْضُرُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَأَلَّا نُخْرِجَ صَلِيبًا وَلَا كِتَابًا فِي سُوقِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَلَّا نُخْرِجَ بَاعُوثًا - قَالَ: وَالْبَاعُوثُ يَجْتَمِعُونَ كَمَا يَخْرُجُ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ - وَلَا شَعَانِينَ، وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا، وَلَا نُظْهِرَ النِّيرَانَ مَعَهُمْ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَلَّا نُجَاوِرَهُمْ بِالْخَنَازِيرِ وَلَا بِبَيْعِ الْخُمُورِ، وَلَا نُظْهِرَ شِرْكًا، وَلَا نُرَغِّبَ فِي دِينِنَا وَلَا نَدْعُوَ إِلَيْهِ أَحَدًا، وَلَا نَتَّخِذَ شَيْئًا مِنَ الرَّقِيقِ الَّذِي جَرَتْ عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَلَّا نَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ أَقْرِبَائِنَا أَرَادُوا الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَنْ نَلْزَمَ زِيَّنَا حَيْثُمَا كُنَّا، وَأَلَّا نَتَشَبَّهَ بِالْمُسْلِمِينَ فِي لُبْسِ قَلَنْسُوَةٍ وَلَا عِمَامَةٍ وَلَا نَعْلَيْنِ وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ وَلَا فِي مَرَاكِبِهِمْ، وَلَا نَتَكَلَّمَ بِكَلَامِهِمْ وَلَا نَكْتَنِيَ بِكُنَاهُمْ، وَأَنْ نَجُزَّ مَقَادِمَ رُءُوسِنَا، وَلَا نَفْرُقَ نَوَاصِيَنَا، وَنَشُدَّ الزَّنَانِيرَ عَلَى أَوْسَاطِنَا، وَلَا نَنْقُشَ خَوَاتِمَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا نَرْكَبَ السُّرُوجَ، وَلَا نَتَّخِذَ شَيْئًا مِنَ السِّلَاحِ وَلَا نَحْمِلَهُ وَلَا نَتَقَلَّدَ السُّيُوفَ، وَأَنْ نُوَقِّرَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَجَالِسِهِمْ وَنُرْشِدَهُمُ الطَّرِيقَ وَنَقُومَ لَهُمْ عَنِ الْمَجَالِسِ إِنْ أَرَادُوا الْجُلُوسَ، وَلَا نَطَّلِعَ عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَلَا نُعَلِّمَ أَوْلَادَنَا الْقُرْآنَ، وَلَا يُشَارِكَ أَحَدٌ مِنَّا مُسْلِمًا فِي تِجَارَةٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِلَى الْمُسْلِمِ أَمْرُ التِّجَارَةِ، وَأَنْ نُضِيفَ كُلَّ مُسْلِمٍ عَابِرِ سَبِيلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنُطْعِمَهُ مَنْ أَوْسَطِ مَا نَجِدُ. ضَمِنَّا لَكَ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَذَرَارِيِّنَا وَأَزْوَاجِنَا وَمَسَاكِينِنَا، وَإِنْ نَحْنُ غَيَّرْنَا أَوْ خَالَفْنَا عَمَّا شَرَطْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَقَبِلْنَا الْأَمَانَ عَلَيْهِ فَلَا ذِمَّةَ لَنَا، وَقَدْ حَلَّ لَكَ مِنَّا مَا يَحِلُّ لِأَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ".

فَكَتَبَ بِذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: "أَنْ أَمْضِ لَهُمْ مَا سَأَلُوا، وَأَلْحِقْ فِيهِمْ حَرْفَيْنِ أَشْتَرِطُهُمَا عَلَيْهِمْ مَعَ مَا شَرَطُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ: أَلَّا يَشْتَرُوا مِنْ سَبَايَانَا [شَيْئًا]، وَمَنْ ضَرَبَ مُسْلِمًا [عَمْدًا] فَقَدْ خَلَعَ عَهْدَهُ". فَأَنْفَذَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ ذَلِكَ، وَأَقَرَّ مَنْ أَقَامَ مِنَ الرُّومِ فِي مَدَائِنِ الشَّامِ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ.

 

قَالَ الْخَلَّالُ فِي كِتَابِ "أَحْكَامِ أَهْلِ الْمِلَلِ": "أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ... " فَذَكَرَهُ، وَذَكَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ: "كَتَبْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ صَالَحَ نَصَارَى الشَّامِ وَشَرَطَ عَلَيْهِمْ فِيهِ أَلَّا يُحْدِثُوا فِي مَدِينَتِهِمْ وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا دَيْرًا وَلَا كَنِيسَةً وَلَا قِلَّايَةً وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ، وَلَا يُجَدِّدُوا مَا خُرِّبَ، وَلَا يَمْنَعُوا كَنَائِسَهُمْ أَنْ يَنْزِلَهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَ لَيَالٍ يُطْعِمُونَهُمْ، وَلَا يُئُوا جَاسُوسًا، وَلَا يَكْتُمُوا غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُعَلِّمُوا أَوْلَادَهُمُ الْقُرْآنَ، وَلَا يُظْهِرُوا شِرْكًا، وَلَا يَمْنَعُوا ذَوِي قَرَابَاتِهِمْ مِنَ الْإِسْلَامِ إِنْ أَرَادُوهُ، وَأَنْ يُوَقِّرُوا الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ يَقُومُوا لَهُمْ مِنْ مَجَالِسِهِمْ إِذَا أَرَادُوا الْجُلُوسَ، وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي شَيْءٍ مِنْ لِبَاسِهِمْ وَلَا يَتَكَنَّوْا بِكُنَاهُمْ، وَلَا يَرْكَبُوا سِرْجًا وَلَا يَتَقَلَّدُوا سَيْفًا، وَلَا يَبِيعُوا الْخُمُورَ، وَأَنْ يَجُزُّوا مَقَادِمَ رُءُوسِهِمْ، وَأَنْ يَلْزَمُوا زِيَّهُمْ حَيْثُمَا كَانُوا، وَأَنْ يَشُدُّوا الزَّنَانِيرَ عَلَى أَوْسَاطِهِمْ، وَلَا يُظْهِرُوا صَلِيبًا وَلَا شَيْئًا مِنْ كُتُبِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يُجَاوِرُوا الْمُسْلِمِينَ بِمَوْتَاهُمْ، وَلَا يَضْرِبُوا بِالنَّاقُوسِ إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا، وَلَا يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ حَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا يَخْرُجُوا شَعَانِينَ، وَلَا يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ مَعَ مَوْتَاهُمْ، وَلَا يُظْهِرُوا النِّيرَانَ مَعَهُمْ، وَلَا يَشْتَرُوا مِنَ الرَّقِيقِ مَا جَرَتْ فِيهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ خَالَفُوا شَيْئًا مِمَّا شَرَطُوهُ فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ، وَقَدْ حَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ مَا يَحِلُّ مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ".

 

 

وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ ثَعْلَبٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي الْعَيْزَارِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْوَلِيدِ بْنِ نُوحٍ، [وَالسَّرِيِّ] بْنِ مُصَرِّفٍ يَذْكُرُونَ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ: كَتَبْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ صَالَحَ نَصَارَى أَهْلِ الشَّامِ: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ لِعَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نَصَارَى مَدِينَةِ كَذَا وَكَذَا: إِنَّكُمْ لَمَّا قَدِمْتُمْ عَلَيْنَا سَأَلْنَاكُمُ الْأَمَانَ لِأَنْفُسِنَا وَذَرَارِيِّنَا وَأَمْوَالِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا، وَشَرَطْنَا لَكُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا أَلَّا نُحْدِثَ فِي مَدَائِنِنَا وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا دَيْرًا وَلَا قِلَّايَةً وَلَا كَنِيسَةً وَلَا صَوْمَعَةَ رَاهِبٍ... " فَذَكَرَ نَحْوَهُ}}.

 

ثم يعلق ابن القيم على ضعف سند هذه الرواية فيقول مدافعاً عنها: {وَشُهْرَةُ هَذِهِ الشُّرُوطِ تُغْنِي عَنْ إِسْنَادِهَا، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ تَلَقَّوْهَا بِالْقَبُولِ وَذَكَرُوهَا فِي كُتُبِهِمْ وَاحْتَجُّوا بِهَا، وَلَمْ يَزَلْ ذِكْرُ الشُّرُوطِ الْعُمَرِيَّةِ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَفِي كُتُبِهِمْ، وَقَدْ أَنْفَذَهَا بَعْدَهُ الْخُلَفَاءُ وَعَمِلُوا بِمُوجَبِهَا}.

 

 

ثم يقول:

{فَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرِيُّ - مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْحُلْوَانِيِّ - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ [جَنَّادٍ] : حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ مُسْلِمٍ الْحَلَبِيُّ، عَنْ صَالِحٍ الْمُرَادِيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا صَلَّى الْعَصْرَ فَصَفَّ لَهُ أَهْلُ نَجْرَانَ صَفَّيْنِ، فَنَاوَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ كِتَابًا، فَلَمَّا رَآهُ دَمَعَتْ عَيْنُهُ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ: " يَا أَهْلَ نَجْرَانَ، هَذَا وَاللَّهِ خَطِّي بِيَدِي وَإِمْلَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ". فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَعْطِنَا مَا فِيهِ. قَالَ: وَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: إِنْ كَانَ رَادًّا عَلَى عُمَرَ يَوْمًا فَالْيَوْمَ يَرُدُّ عَلَيْهِ! فَقَالَ: لَسْتُ بَرَّادٍ عَلَى عُمَرَ شَيْئًا صَنَعَهُ، إِنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الْأَمْرِ، وَإِنَّ عُمَرَ أَخَذَ مِنْكُمْ خَيْرًا مِمَّا أَعْطَاكُمْ، وَلَمْ يَجُرَّ عُمَرُ مَا أَخَذَ مِنْكُمْ إِلَى نَفْسِهِ إِنَّمَا جَرَّهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ".

 

وَذَكَرَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لِأَهْلِ نَجْرَانَ: إِنَّ عُمَرَ كَانَ رَشِيدَ الْأَمْرِ، وَلَنْ أُغَيِّرَ شَيْئًا صَنَعَهُ عُمَرُ! .

 

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قَالَ عَلِيٌّ حِينَ قَدِمَ الْكُوفَةَ: مَا جِئْتُ لِأَحُلَّ عُقْدَةً شَدَّهَا عُمَرُ!.

 

وَقَدْ تَضَمَّنَ كِتَابُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا جُمَلًا مِنَ الْعِلْمِ تَدُورُ عَلَى سِتَّةِ فُصُولٍ:

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي أَحْكَامِ الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَالصَّوَامِعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.

الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي أَحْكَامِ ضِيَافَتِهِمْ لِلْمَارَّةِ بِهِمْ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا.

الْفَصْلُ الثَّالِثُ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِضَرَرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْإِسْلَامِ.

الْفَصْلُ الرَّابِعُ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَغْيِيرِ لِبَاسِهِمْ وَتَمْيِيزِهِمْ عَنِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَرْكَبِ وَاللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ.

الْفَصْلُ الْخَامِسُ: فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِظْهَارِ الْمُنْكَرِ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ مِمَّا نُهُوا عَنْهُ.

الْفَصْلُ السَّادِسُ: فِي أَمْرِ مُعَامَلَتِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ بِالشَّرِكَةِ وَنَحْوِهَا}.  انتهى كلام ابن القيم رحمه الله.

 

وللحديث بقية إن شاء الله تعالى

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين